
فرصة أخيرة قبل الانهيار الشامل
في خضم الأزمة السياسية والاقتصادية العميقة التي تعصف بلبنان، تتزايد المؤشرات على أن “الفرصة الأخيرة” التي يمنحها المجتمع الدولي،
وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية، للبنان، باتت مهددة بشكل جدي بسبب المماطلة الداخلية وتضييع الوقت في ملفات ثانوية لا تمسّ جوهر الأزمة.
سياسة “المرونة المشروطة” الأميركية: دعمٌ مشروط لا مفتوح
منذ بداية الانهيار اللبناني، اعتمدت الولايات المتحدة مقاربة مرنة تجاه بيروت،
جمعت بين الضغط السياسي والدبلوماسي وبين تفهّم بعض التعقيدات اللبنانية،
لا سيما في ما يتعلّق بملف سلاح “حزب الله”، الذي يُعد من أعقد القضايا في لبنان وأكثرها ارتباطًا بالتوازنات الإقليمية والدولية.
لكن، ووفق المستشار القانوني في الاتحاد الأوروبي الدكتور محيي الدين الشحيمي، فإن هذه “المرونة” الأميركية ليست مطلقة، بل مشروطة بسلوك الدولة اللبنانية.
فواشنطن، بحسب الشحيمي، لا تزال تتعامل مع لبنان كدولة يجب أن تستعيد سيادتها كاملة،
وأن تطبّق دستورها وتلتزم بالقرارات الدولية، وعلى رأسها القرار 1701، الذي ينصّ صراحة على حصر السلاح بيد الدولة.
مجتمع دولي على أهبة الاستعداد… ولكن بشروط
يُجمِع الشحيمي وعدد من الخبراء على أن المجتمع الدولي، بما فيه الدول العربية والخليجية،
يترقّب إشارات واضحة وحقيقية من الداخل اللبناني،
تؤكد جدية الدولة في التوجّه نحو استعادة القرار السيادي، ووضع حدّ لحالة “الاستثناء الدائم” الذي يعيشه لبنان منذ سنوات تحت ذريعة “الخصوصية اللبنانية”.
ويشدد الشحيمي على أن هذه الخصوصية لم تعد ذريعة كافية لعدم احترام السيادة وتطبيق القانون.
ويقول: “الولايات المتحدة، ومعها الاتحاد الأوروبي، لا تريد للبنان أن يغرق في الفوضى،
لكنها لن تستمر إلى الأبد في تقديم الدعم من دون خطوات فعلية، تبدأ من الداخل اللبناني نفسه”.
ثلاث مراحل مفصلية: محلية وعربية ودولية
بحسب الشحيمي، فإن مسار الدعم الدولي للبنان يمرّ بثلاث مراحل مترابطة:
- المرحلة المحلية: حيث يتوجب على الدولة اللبنانية، أولاً، إظهار إرادة سياسية صلبة لإجراء إصلاحات جذرية في القضاء والإدارة والمؤسسات، بما يشمل مكافحة الفساد وتحقيق الشفافية والمحاسبة، وتحديداً في ملفي الكهرباء والمصارف، اللذين يشكلان أبرز مظاهر الفشل البنيوي في الدولة.
- المرحلة العربية: إذ لا يمكن للبنان أن ينال دعماً دوليًا من دون تموضع عربي واضح في صفّ الدولة، لا الفوضى والسلاح المتفلّت. الدعم العربي، وخصوصًا الخليجي، يبقى شرطًا أساسيًا لإعادة الثقة بلبنان كموقع استثماري آمن.
- المرحلة الدولية: وهي المرحلة النهائية، وتتحقق فقط عندما تظهر الحكومة اللبنانية إشارات إصلاح ملموسة، ما يفتح الباب أمام صندوق النقد الدولي والدول المانحة للمباشرة ببرامج الدعم.
بين السيادة والسلاح فرصة أخيرة قبل الانهيار الشامل
لا يخفى أن جوهر كل هذه المراحل يكمن في مسألة السلاح غير الشرعي، وتحديدًا سلاح “حزب الله”.
فوفق تحليل الشحيمي، فإن هذا السلاح، الذي استُخدم تحت شعارات تتراوح بين “مقاومة إسرائيل” و”دعم النظام السوري”،
بات يشكّل العقبة الأساسية أمام بناء دولة قانون ومؤسسات.
ويضيف: “لا يمكن بناء دولة تُستباح فيها السيادة من جهة الداخل،
سواء لغايات خارجية أو لحماية نفوذ فئة على حساب أخرى”.
ويتابع: “هذا السلاح لم يُعزّز موقع الطائفة الشيعية كما يُروَّج،
بل ساهم في تهميش القرار الوطني الجامع، وخطف الدولة نحو محاور لا يريدها أغلب اللبنانيين”.
إصلاح القضاء مفتاح الإنقاذ الاقتصادي
في ما يخص خطة الإنقاذ المالي، يرى الشحيمي أن أي حديث عن دعم خارجي لا يمكن فصله عن إصلاح بنيوي في السلطة القضائية.
فالثقة مفقودة بالمؤسسات، والمستثمر الأجنبي أو المغترب لن يضع أمواله في بيئة يغيب فيها الأمن القضائي.
ويؤكد: “نحن بحاجة إلى قوانين إصلاحية واضحة، وقضاء مستقل، وقوانين جديدة تشجّع على الاستثمار،
وتكفل عدم إفلات الفاسدين من العقاب”. ويشدّد على أن الأزمة الاقتصادية ليست فقط مالية،
بل هي نتيجة مباشرة لانعدام الثقة بالدولة.
الوقت ينفد… و”الهدر السياسي” أكبر الأخطار ، فرصة أخيرة قبل الانهيار الشامل
في خلاصة كلامه، يحذر الشحيمي من أن الوقت المتاح للبنان لم يعد طويلاً،
وأن ما يهدد التعامل الأميركي المرن ليس فقط “الفيتو الإيراني” أو صراعات الداخل،
بل أيضًا “تضييع الوقت في ملفات جانبية”، والافتقار إلى القرار السياسي الحاسم.
ويضيف: “لبنان أمام فرصة نادرة، لن تتكرر كثيرًا. المطلوب التحرك فورًا لإثبات الجدية أمام المجتمع الدولي،
وعدم انتظار تسويات إقليمية لن تأتي بسهولة”.