رسائل متبادلة بين دمشق وواشنطن… وتواصل أوروبي في ملف النزوح


تلقت دمشق بالتزامن مع لبنان دعوة لحضور القمة العربية في البحرين. إذ أجرى وزير الخارجية البحريني عبد اللطيف بن راشد الزياني جولة شملت لبنان وسوريا التي زارها لأول مرة منذ بدء أزمة سوريا.

إن الحضور السوري في الجامعة العربية لم يعد موضع خلاف، كما في السابق، على ما يعتقد النائب السابق في مجلس الشعب السوري مهند الحاج علي لـ”لبنان24″ لأن حضور سوريا في قمة الرياض الأخيرة قد كسر كل الحواجز ، والموقف الوحيد المتحفظ هو القطري فقط ، كونه مازال يدور في الفلك الأميركي حتى الآن، وسوريا أكثر من مرة عبرت عن أن سياستها مع أشقائها العرب هي سياسة غير انتقامية، وتتطلع دائماً للمستقبل ولأفضل العلاقات مع العرب ، وهذا ما لمسناه من إعادة فتح بعض السفارات العربية في دمشق التي لم لن تنسلخ عن محيطها العربي وخاصة أنها دولة ذات إيديولوجيا قومية .

إن أغلب الأنظمة العربية التي ناصبت “العداء” للشعب السوري إبان ما يسمى بالربيع العربي قد تغيرت رغم التأثير الأميركي على هذه الأنظمة من خلال البطء في إعادة العلاقات الإقتصادية ، أو البطء في التعاطي مع الحكومة السورية في ملفي الجريمة والمهجرين، يقول الحاج علي. لذلك كانت الدعوى متوقعة وتلقفتها سوريا متمنية أن تنجح وتأتي بثمار طيبة للشعوب العربية في ظل التوتر الإقليمي .

يأتي ذلك، في وقت زار وفد سعودي يرأسه رئيس جهاز الاستخبارات العاصمة السورية والتقى الرئيس السوري بشار الأسد ونائبه للشؤون الأمنية اللواء علي مملوك. وتأتي هذه الزيارة، وفق الحاج علي، في إطار التنسيق من أجل مكافحة الإرهاب والجريمة العابرة للحدود وعلى رأسها تهريب المخدرات، ففي بداية ما يسمى بالربيع العربي ، غُرر بالكثير من الشباب السعودي، وانخرطوا في صفوف التنظيمات الإرهابية، لذلك رأت المملكة أن من الضروري إيجاد صيغة تعاون أمني مع سوريا من أجل مكافحة الإرهاب العابر للحدود، ومنع وصوله أو ارتداده للمملكة، فرؤية ولي العهد محمد بن سلمان للشرق الأوسط تتضمن نشر هامش كبير من الأمان ومكافحة الجريمة، ولا يمكن نشر هذا الأمان من دون التنسيق مع سوريا التي أصبح لها باع طويل في مكافحة الإرهاب.

ورغم عودة العلاقات العربية إلى ما كانت عليه قبل العام 2011، إلا أن لا حل سياسيا يلوح في الأفق للأزمة السورية، فالمبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسون، يعتبر أن “على المجتمع الدولي توحيد جهوده نحو عملية سياسية تبدأ باتخاذ تدابير لبناء الثقة واستئناف عمل اللجنة الدستورية، وتفضي في نهاية المطاف إلى معالجة شاملة لهذا الصراع”. ومع ذلك يحكى عن مفاوضات، مباشرة غير مباشرة، بين دمشق وواشنطن في سلطنة عمان، غير أن الحاج علي يقول إنه لم يرشح أي شيء رسمي عن هذا الموضوع، لكنه يعتقد أن الولايات المتحدة قد تلجأ لهذا الخيار في أي لحظة لانها بدأت تشعر أن وجودها العسكري في سوريا أصبح يهدد حياة جنودها، مع تصاعد العمليات العسكرية ضد القواعد الأميركية غير الشرعية في سوريا من طرف المقاومة السورية والعراقية ، وبالتالي قد تلجأ للتفاوض مع دمشق من أجل تأمين خروج مشرف لها ويحفظ ماء الوجه ، ولكن حتى الآن لا تبحث واشنطن عن شركاء، بل تبحث عن اتباع ، وهذا ما ترفضه سوريا بشكل كامل، وبالتالي يعتقد المسؤول السوري أن مسألة المفاوضات بوساطة عمانية غير دقيقة، قد تكون هناك بعض الرسائل المتبادلة والتي لم تفض لأي نتيجة، كون واشنطن ما زالت غير قادرة على الإعتراف بالانتصار السوري على مشروعها في المنطقة، وغير قادرة على تحقيق أهدافها في سوريا لجهة سلخها عن محور المقاومة ، وخاصة أن دمشق ثابتة على مواقفها.

ورغم تأكيد سوريا أنها تدعم حركات المقاومة في فلسطين، بيد أن أصواتا علت منذ عملية “طوفان الأقصى” معتبرة أن دمشق تتخذ مواقف متمايزة عن قوى محور الممانعة، لكن الحاج علي ينفي ذلك، ويقول إن معركة “طوفان الأقصى” هي معركة كل محور المقاومة، لكن لكل ركن أو فصيل من فصائل المحور، دوره الذي يتمم الأدوار الأخرى لباقي أركان المحور، ومن الناحية العسكرية وبحسب خبرة سابقة له في القوى الرديفة للجيش العربي السوري، يقول الحاج علي، إن سوريا تقدم كل ما تستطيع تقديمه لكل الفصائل المقاومة سواء العراقية، أو اليمينة أو اللبنانية وحتى الفلسطينية في داخل فلسطين المحتلة،والدور السوري كان أساسياً في مساعدة المقاومة في غزة على القيام بهذه العملية وهذا ما نستطيع قوله حالياً في هذا المجال. أما من الناحية السياسية، فدمشق تستثمر كل علاقاتها الديبلوماسية مع حلفائها من أجل دعم القضية الفلسطينية، والموقف الصيني والروسي والكوري الشمالي المتقدم من القضية الفلسطينية والذي أصبح داعماً لقضايا الشعب الفلسطيني، هو نتاج مجهود كبير للديبلوماسية السورية عبر سنوات من أجل إيضاح الصورة الحقيقية للحلفاء وحثهم على تطوير مواقفهم .

في خضم ما يجري، تبقى أزمة النازحين الشغل الشاغل للدول المضيفة لا سيما لبنان الذي يعاني من تداعيات هذا النزوح على كل المستويات والصعد، وهناك إجماع لبناني على أن أزمة النزوح لا يمكن أن تستمر من دون معالجة ويجب العمل على إعادتهم جميعاً على مراحل خاصة وأن أغلب النازحين السوريين الموجودين في لبنان موجودون في لبنان لأسباب اقتصادية وليست أمنية، وفي زيارته الأخيرة إلى باريس، تحدث رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، حول ضرورة إعادة التواصل والتنسيق مع دمشق، لمساعدة لبنان في ملف اللاجئين والتخفف من أعبائهم، ولمنع تسربهم من لبنان إلى أوروبا وأن حل أزمة النزوح في البلاد يكمن في اعتبار معظم المناطق في سوريا مناطق آمنة من أجل ترحيل السوريين الذين يدخلون لبنان كلاجئين. وفاتح رئيس مجلس النواب نبيه برّي من جهته وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه بضرورة تغيير موقف فرنسا وألمانيا ودول الإتحاد الأوروبي من سوريا، وضرورة إعادة التنسيق معها واستعادة العلاقات، في سبيل مساعدة لبنان لمعالجة ملف اللاجئين، والذي تنظر إليه أوروبا كخطر داهم عليها.

ويعوّل لبنان على مؤتمر بروكسل الثامن الذي سيعقد في 27 أيار الحالي والذي سيحرّك ملف النازحين السوريين، علما أن سوريا تواصل التأكيد من جهتها أنها تواصل العمل على عودة مواطنيها إلى ديارهم وقد عقدت 3 مؤتمرات من أجل إعادة النازحين ولم تحضرها الدول المانحة ولا الامم المتحدة ولا منظمات المجتمع المدني واصدر الرئيس بشار الاسد مراسيم عفو باستثناء من ارتكب جرائم قتل، ويقول الحاج علي في هذا السياق، أن ملف النزوح ليس بحاجة لوساطة دولية إنما إلى قرار لبناني، ودمشق مستعدة للتعاون مع لبنان بشتى الوسائل ، لما فيه خير لبنان وسوريا، مضيفاً “يوجد تواصل غربي مع سوريا من دول مثل إيطاليا وشرق أوروبا في هذا المجال، ولكن التنسيق ليس على مستويات عليا ، فهو يتم عبرالمنظمات الأممية”، مضيفاً “الموقف الأوروبي يستخدم ورقة المهجرين من أجل أن يستثمرها سياسياً لشيطنة الحكومة السورية ، واذا كانوا جادين فعلا في إعادة المهجرين فأهلا وسهلا بهم فدمشق لها سبعة أبواب”، أما عن لبنان فيعتقد المسؤول السوري أن “ملف المهجرين يمكن أن ينتهي بتنسيق حكومي كامل بين الحكومتين من دون العودة لأحد، ولكن الغرب يضغط بكل قوته على لبنان من أجل تعطيل هذا التعاون،علماً أننا استطعنا بالتعاون مع الأمن العام اللبناني قبل عام تقريباً إعادة عشرات آلاف السوريين إلى سوريا”.

«
زر الذهاب إلى الأعلى