وفد صندوق النقد في بيروت قريباً… لبنان خارج الـقائمة الرمادية والعين على الكاش


يعود وفد صندوق النقد الدولي برئاسة أرنستو راميريز ريفو إلى لبنان خلال شهر آيار الحالي، فهو يبدي استعداداً لتقديم المساعدة التقنية والمساعدة المالية للبنان. وتأتي الزيارة المرتقبة بعدما كان الوفد اللبناني الذي زار واشنطن نيسان الماضي عقد اجتماعات عدة مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي على هامش اجتماعات الربيع التي عقدت في واشنطن في 14-20 نيسان، وأبدى المسؤولون في صندوق النقد استعدادهم الدائم لدعم لبنان في كل المجالات وتقديم المساعدة الفنية التي يحتاج إليها. أما في ما خص المساعدة المالية ومصير الاتفاق النهائي مع الصندوق، فهم ينتظرون دائما أن يقوم لبنان بالإصلاحات المطلوبة، ومن ضمنها تلك التي وردت في الاتفاق على صعيد الموظفين.

وفي السياق قال نائب رئيس مجلس الوزراء سعاده الشامي”إن تأخر لبنان في تنفيذ الإصلاحات سبب ضرراً كبيراً للبنان. فلو قمنا بكل الإصلاحات، لكنا بدأنا بوضع لبنان على سكة التعافي وبدأنا بالنهوض من الكبوة الاقتصادية وحققنا نمواً أفضل، ولكنا توصلنا إلى اتفاق مع الدائنين لنخرج لبنان من عزلته وأن نؤسس لعودته إلى الأسواق المالية العالمية، والأهم من كل ذلك لخففنا من معاناة اللبنانيين جميعاً، وخصوصاً المودعين لأن كل تأخير في معالجة وضعهم سيؤدي إلى خسارة إضافية تضاف إلى الخسائر التي تكبدوها حتى الآن بعد أكثر من أربع سنوات.

وبينما يظن عدد من الخبراء أن الإتفاق الأولي الموقع ما بين لبنان وصندوق النقد على مستوى الموظفين بات معضلة غير قابلة للحل تتمثل بكون الإتفاق وشروطه كابوسا مسلطا على رؤوس المسؤولين اللبنانيين نتيجة الشروط والقوانين الإصلاحية المطلوبة للمضي قدماً في توقيع الإتفاق النهائي، يعتبر الشامي “أن أهداف الاتفاق على صعيد الموظفين ما زالت صالحة وإن كان لا بد من إدخال تعديلات قد تكون جوهرية على مذكرة التفاهم بعد أكثر من سنتين على تبنيها”.

منذ سنتين لم يوفر المسؤولون في صندوق النقد مناسبة إلا وأكدوا فيها أن الإتفاق مع صندوق النقد بات واقعاً لا يمكن تجاوزه، لكن إتمامه مشروط بضرورة إقرار القوانين الإصلاحية المطلوبة وتنفيذ الإصلاحات من قبل السلطة اللبنانية لا سيما وأن الصندوق زود لبنان بمكامن الخلل والهدر في المالية العامة ولن يتراجع قيد أنملة عن شرطه المرتبط بالإسراع في إقرار القوانين والتشريعات المالية الإصلاحية المطلوبة لإقفال كل مسارب الفساد والفوضى في النظامين المالي والمصرفي، قبل الحصول على أي مساعدة نقدية.

من الواضح، بحسب ما يؤكد الاستاذ الجامعي والباحث الاقتصادي بلال علامة لـ”لبنان24″، أن الإتفاق مع صندوق النقد هو ربما خيار وحيد بالنسبة للبنان وأن إصلاح الواقع المالي والاقتصادي في لبنان لن يحصل إلا إذا إلتزم لبنان بما هو مطلوب منه للوصول إلى توقيع الإتفاق النهائي.

ومن القوانين الإصلاحية المطلوبة والضرورية قانون الكابيتال كونترول وقانون هيكلة القطاع المصرفي وقانون التوازن المالي المرتبط بمجموعة قوانين إصلاحية من ضمنها ترشيق وترشيد القطاع العام وإقفال وتصفية الكثير من المؤسسات العامة بعد تشكيل هيئات ناظمة للقطاعات الإستراتيجية في لبنان كالطاقة والإتصالات.

في التفاصيل المتعلقة بالمصارف والودائع لم يعلن المسؤولون في صندوق النقد يوماً عن نيتهم او إرادتهم دفع لبنان لشطب الودائع ما فوق المئة الف دولار إنما يصر وفد صندوق النقد ، بحسب علامة، على اعتماد طرق تحويل الودائع التي تفوق المئة الف دولار بعضها إلى الليرة اللبنانية والبعض الآخر إلى أسهم لدى المصارف أو إحالتها للتدقيق القضائي ربما باعتبارها غير مؤهلة.

من ضمن كل ما ذكر لم ينجح لبنان بعد مضي سنتين من الاتفاق الأولي، من إقرار وتطبيق أي من الشروط المطلوبة بإستثناء قانون تعديل السرية المصرفية الذي لم يكن الصندوق راضياً عما أقره المجلس النيابي بالنسبة لهذا الموضوع، علماً أن الشامي كان اعتبر في ذلك الحين أنّ التعديلات على قانون السريّة المصرفيّة، التي أقرّها مجلس النوّاب، بناءً على شروط الصندوق، لم تكن مطابقة تمامًا للمطلوب. أمّا الثغرة الأساسيّة فتكمن في عدم إتاحة التعديلات اطلاع لجنة الرقابة على المصارف على تفاصيل الحسابات المصرفيّة، لغايات إعادة الهيكلة، وهو ما سيفرض تمرير تعديلات إضافيّة على قانون سريّة المصارف لإتاحة هذا الأمر. والمسؤول هنا، هو مجلس النوّاب بالتحديد، الذي عدّل اقتراح القانون المطروح أمامه على هذا النحو، لحماية الداتا المصرفيّة من أعين لجنة الرقابة على المصارف.

وليس بعيداً، فقد حضر في اجتماعات واشنطن ملف تصنيف لبنان من قبل منظمة العمل المالي”فاتف”، وسط معلومات حصل عليها “لبنان24” وتشير إلى إبقاء فاتف تصنيف لبنان على ما هو عليه اليوم ، علما أن عددا من المسؤولين لا يرى خطرا على لبنان في التصنيف الرمادي، الذي من شأنه أن يشكل حافزاً لتنفيذ لبنان ما هو مطلوب منه على صعيد بعض الاجراءات لكي لا يوضع في المستقبل على اللائحة السوداء وهنا تكمن الخطورة، علما أن علامة يعتبر أن تخفيض تصنيف لبنان ودخوله المنطقة الرمادية لو حصل، سيكون بمثابة ضربة كبيرة لبلد يعاني انهياراً اقتصادياً وسياسياً ومالياً وقضائياً.

وتجدر الإشارة إلى أن مجموعة العمل المالي منحت لبنان في شهر أيار الماضي من العام 2023 فترة سماح لسنة لإتمام معالجات مالية ونقدية ومصرفية لتفادي وضع اسمه على اللائحة الرمادية بصفة دولة غير متعاونة،و أعادت في الشهر الأخير من العام الماضي إصدار لائحة بالتوصيات المطلوبة من جانبها، كي يتفادى لبنان هذه السنة خفض تصنيفه. وقد ركّز حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري سعيه أثناء زيارته الأخيرة لواشنطن على تأخير إدراج لبنان على اللائحة الرمادية واعداً بخفض اقتصاد الكاش وأنه قد بادر لإصدار بيان إعلامي يشجع فيه المؤسسات المصرفية والشركات المالية على تفعيل العمل بالبطاقات المصرفية واعتمادها أكثر في كل التعاملات المالية في الداخل اللبناني ومع العالم الخارجي.

وللتوضيح أكثر فإن لبنان، لم يقم منذ سنوات طوال، وفق علامة، بأي إصلاح حقيقي، يحدّ من تفشي اقتصاد النقد الورقي، ولم يتخذ لبنان الخطوات المطلوبة لإعادة هيكلة المصارف وهو ما نقل نسبة كبيرة من المعاملات المالية إلى اقتصاد الكاش، بالتالي قد ترسم علامات استفهام حول العمليات المالية من كل الأنواع.
وكان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي حذر مراراً من أن “الخطورة القصوى تكمن في انه بغياب قانون إعادة هيكلة المصارف ومعاودة نشاطها كالمعتاد، فإننا بتنا نتكل على الاقتصاد النقدي “الكاش” ما يشكل خطراً كبيراً لكونه وسيلة لكل الجرائم المالية التي قد تحصل. وأخشى، إذا تأخرنا أكثر في عملية إقرار القوانين أن تكون العواقب وخيمة جداً، ليس على الأشخاص، بل على الاقتصاد في البلد ككل”.

لقد أكدت مجموعة العمل المالي وعبّرت على مدى شهور عن قلقها من أن التقاعس في تنفيذ الإصلاحات وعدم التشدد في مراقبة أنشطة غسل الأموال وتمويل الإرهاب قد يضع لبنان على اللائحة الرمادية، لكن مطالبات رئيس الحكومة وحاكم مصرف لبنان بالانابة بالمزيد من الوقت إلى نهاية العام لمعالجة اقتصاد الكاش وإنفلاشه، قد تأخذ بها المنظمة، وتضع لبنان فوق عتبة القائمة الرماديّة بعلامة واحدة. ولذلك يفترض بالمعنيين الإسراع في تنفيذ ما هو واجب عليهم في هذا الشأن من إقرار مشاريع ذات صلة، وإلا لبنان سيصنف على اللائحة السوداء في نهاية العام. وعليه فإن الترقب سيكون سيد الموقف لمآل الأمور في الأشهر المقبلة .

«
زر الذهاب إلى الأعلى