الورقة الفرنسية للدرس.. لا للتطبيق


ثمة تطوران في المواقف يتصلان بالوضع في جنوب لبنان يجدر التوقف عندهما:التطور الأول يتصل بالموقف الغربي عموماً والأميركي تحديداً والأرجح الفرنسي أيضاً، يقوم على التسليم بتعذر الفصل بين الجبهتين الجنوبية وقطاع غزة استناداً إلى موقف حزب الله الذي أعلنه مراراً وتكرراً وأبلغه إلى كل الموفدين وأكد تمسكه به. هذا التسليم الغربي دفع بالوسطاء والموفدين بمن فيهم الفرنسيون إلى تركيز الجهد على احتواء الوضع العسكري والحؤول دون التوسع به.

اما التطور الثاني فيتعلق بموقف”الثنائي الشيعي” ويستشف على نحو أساس من أداء رئيس مجلس النواب نبيه بري وطريقة تفاعله مع المبادرة الفرنسية ويقوم على إبداء الاستعداد لدرس الأفكار التي تتصل بالوضع الجنوبي في مرحلة ما بعد إيقاف الحرب على غزة مع التمسك بالموقف المبدئي الذي يقوم على الربط بين الجبهتين ورفض الانتقال إلى تنفيذ أي من هذه الأفكار مادام العدوان الاسرائيلي على غزة مستمراً، فقد أكد بري لوزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه انتظار لبنان لتسلم الاقتراح الفرنسي، الرامي إلى خفض التصعيد ووقف القتال وتطبيق القرار الأممي، تمهيداً لدراسته والرد عليه، علماً أن نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم أكد في الأيام الماضية أن المبادرات المُتداولة لقضية لبنان وجنوبه، “هي مبادرات غير قابلة للحياة إذا لم يكن أساسُها وقف إطلاق النار في غزَّة، فمن هناك تأتي المعالجة”.

ويقول مصدر سياسي مطلع، إن هذين التطورين يفسران خلفية المبادرة الفرنسية والمواقف الأميركية ذات الصلة التي يتم نقلها إلى الساحة اللبنانية بصورة مباشرة أو غير مباشرة، لذا من المرجح أن يتم التفاعل مع الورقة الفرنسية الجديدة بالدراسة والتمحيص والتعليق من دون أن تأخد طريقها الفعلي إلى التطبيق، لكن في مطلق الأحوال في شأن ذلك أن يؤدي إلى إنضاج الكثير من الأفكار التي ستشكل عناوين المرحلة الجنوبية المقبلة، علماً أن الموقف اللبناني الذي أكدته الحكومة والذي يشكل محل تقاطع مع “الثنائي الشيعي” هو أن إطار البحث في أي إجراءات أو أفكار يجب ألا يتجاوز القرار 1701 واتفاقية الهدنة والتفاهمات ذات الصلة والرفض المطلق للانزلاق إلى أي ترتيبات أمنية إضافية أو تفاهمات سياسية خارج هذا السياق.

إن هذا الاتجاه في المعالجة والذي يأخد في الحسبان تفاقم التعقيدات التي باتت تواجهها الإدارة الأميركية من جراء اتساع رقعة الاعتراض الجامعي وتأثيره على الرأي العام الأميركي مع ما لهذا الأمر من تأثيرات انتخابية على الرئيس الأميركي جو بايدن، والمخاوف الجدية التي يواجهها رئيس وزراء العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من توجه المحكمة الجنائية الدولية لإصدار مذكرات توقيف بحقه وبحق وزير الحرب ورئيس أركان الجيش الاسرائيلي وهو الذي تحمله الإدارة الأميركية على محمل الجد، كل ذلك قد يشكل، بحسب المصدر السياسي، دافعاً مستجداً لفتح نافذة المخارج لوضع غزة من غير تهميش احتمالات الخيارات الأخرى التي تتصل باجتياح رفح أو التي تتصل بتصعيد الوضع على الجبهة الجنوبية، ذلك أن اختلاط المعطيات المتعارضة والتجاذب بين الخيارات المختلفة لا يزال سيد الموقف ويشكل السمة البارزة لسياسة العدو الإسرائيلي في هذه المرحلة، خاصة وأنه لا يزال يرفض الالتزام بالقرار 1701 ولا يوافق على العودة إلى ما قبل السابع من تشرين الأول.

تجدر الإشارة إلى أن إنكفاء الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين عن زيارة لبنان يشكل عاملاً مؤاتياً لبروز الدور الفرنسي رغم اختلاف المقاربتين الفرنسية والأميركية في ظل كلام متداول نقلاً عن الفرنسيين من انزعاج باريس من أداء هوكشتاين الذي يتصرف على قاعدة أن الدور الفصل في نهاية الأمر هو لواشنطن حصراً.

«
زر الذهاب إلى الأعلى