العبسي افتتح يوما دراسيا عن الفن المسيحي في بطريركية أنطاكية


افتتح بطريرك انطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يوسف العبسي في مركز لقاء – الربوة  يومًا دراسيًا  بعنوان “الفن المسيحي في بطريركية أنطاكية: نظرات على تراث ثقافي”، بمشاركة باحثين واختصاصيين عالميين، في حضور شخصيات علمية، كهنة وراهبات ومهتمين بالفن المسيحي.

 شارك في حلقاته الاربع كل من الباحثين والدكاترة : رافاييل زيادة ، كارول روش-هاولي، باتريسيا أنطاكي، باتريسيا غنيمة، ليفون نورديغيان، نادين بنايوت،  مات ايميرزيل، ندى حلو، الأب شربل ناصيف،  غريس حمصي، ندى سركيس والأخت ماري ـ تريز إيليا.

افتتح العبسي اليوم الدراسي بكلمة قال فيها : “يسعدني أن أرحب بكم في هذا اليوم الدراسي بعنوان الفن المسيحي في بطريركية أنطاكية: نظرات على تراث ثقافي. لقد احتل الفن دائمًا مكانة مركزية في المسيحية، كوسيلة للتعبير عن الإيمان والروحانية. فهو يتجاوز الحواجز اللغوية والثقافية، مما يسمح لنا بالتواصل مع الله وإظهار التزامنا بإيماننا. فكل عمل فني مشبع بالرمزية والمعنى الروحي، مما يغذي الحياة الداخلية لكل مسيحي. ومن جمال اللوحات الجدارية للكنيسة إلى التفاصيل الدقيقة للأيقونات، خدم الفن المسيحي في تقريبنا من الحضور الإلهي”.

أضاف :” في القرنين الثامن والتاسع، كان على الكنيسة البيزنطية أن تواجه بدعة تحطيم الإيقونات التي أدت الى فقدان كم هائل الإيقونات والجداريات والفسيفساء. وقد واجه مجمع نيقية المسكوني المنعقد عام 787 هذه الهرطقة بأن حدد بوضوح أن اكرام الايقونة يعود إلى النموذج الأصلي وأن من يكرم الصورة إنما يكرم فيها من تمثله. نجحت الإمبراطورة ثيودورا عام 843 في إعادة إكرام الإيقونات  من خلال التأكيد على مقررات مجمع نيقية. وتذكارًا للانتصار على بدعة تحطيم الإيقونات، نقوم حتى يومنا هذا  بالطواف بالإيقونات في كنائسنا البيزنطية في الأحد الأول من الصوم الكبير باعتباره “أحد الأرثوذكسية”، لتبقى في ذاكرتنا هزيمة هذه البدعة ونهاية الصراعات العقائدية والكريستولوجية الكبرى”.

وتابع:” تحتل البطريركية الأنطاكية مكانة فريدة في تاريخ الفن المسيحي. يعود تراثها الفني إلى القرون الأولى للمسيحية. حيث كانت الكنائس الأنطاكية معقلًا للابتكار الفني ومهدًا للعديد من التقاليد الفنية التي أثرت في تطور الفن المسيحي في جميع أنحاء العالم. الفن المسيحي الأنطاكي هو نقطة التقاء لتقاليد متنوعة، مما يجعله عنصرًا أساسيًا لاستكشاف جذورنا المشتركة داخل الكنائس الأنطاكية المختلفة. اليوم، بينما نجتمع معًا لاستكشاف هذا الإرث الفني، أشجع جميع الباحثين الحاضرين على مواصلة عملهم في هذا المجال الرائع. فلا يزال هناك الكثير لاكتشافه وفهمه حول الفن المسيحي الأنطاكي”.

واردف العبسي :” إن التزامكم وتفانيكم ضروريان للحفاظ على هذا التراث الثقافي الثمين ونقله إلى الأجيال القادمة. ليس لدي أدنى شك في أن كل محاضرة في هذا اليوم الدراسي لها قيمة في توسيع فهمنا لهذا التراث الثقافي الغني. يكشف الفن المسيحي الأنطاكي، المشبع ببيئته العربية والإسلامية، عن مزيج متناغم من الأساليب والزخارف. تعرض المخطوطات والأيقونات الملكية تأثيرات إسلامية إذ تعكس تفاصيل الملابس والزخرفات وطريقة التخطيط هذا التوليف الفني.  إن هذا الأمر يُظهر التعايش السلمي بين التقاليد المسيحية والإسلامية وتبادلاً ثقافيًا ديناميكيًا ويثري فهمنا لتاريخ المنطقة وروحانيتها”.

وقال:” تدرك كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك تمامًا الدور الحيوي الذي تلعبه التكنولوجيا في الحفاظ على تراثنا الثمين. ولهذا السبب تم بذل جهود كبيرة لرقمنة جميع مخطوطاتنا في البطريركية بدمشق وفي رهبانياتنا. بالإضافة إلى ذلك، فقد تم رقمنة عدد كبير من أيقوناتنا المنتشرة في كنائسنا. ومع ذلك، فمن المهم أن ندرك أنه لا يزال هناك عمل يتعين القيام به في هذا المجال. ومن خلال مواصلة هذه الجهود، نهدف إلى توفير وصول أوسع إلى هذا التراث الثقافي الفريد، مما يسمح بفهم أهميته التاريخية والروحية بشكل أفضل”.

وختم :” في نهاية هذا اليوم الدراسي، سأمنح صليب القدس البطريركي لندى حلو، ورافاييل زيادة، وليفون نورديغيان تقديرًا لمساهماتهم القيمة في تاريخ الفن المسيحي الشرقي. وتهدف هذه اللفتة إلى إظهار الأهمية التي توليها كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك للدراسة العلمية والحفاظ على التراث الفني والثقافي الغني للمسيحية الشرقية. ومن خلال تكريم هؤلاء العلماء المتميزين، فإننا لا نعترف بمساهماتهم الاستثنائية في هذا المجال فحسب، بل نعترف أيضًا بالتزام كنيستنا بدعم وتقييم البحث الأكاديمي في هذه المجالات. توضح هذه البادرة التزامنا بتعزيز المعرفة والفهم والتقدير لتاريخنا وتقاليدنا، وبالتالي إثراء مجتمعنا وإيماننا.
أتقدم بالشكر العميق للأب رامي واكيم، رئيس ديواننا البطريركي، والأب شربل ناصيف،  مسؤول قسم الأرشيف والمخطوطات في البطريركية، والبروفسورة ندى حلو، أستاذة الفن المسيحي في الجامعة اللبنانية، على تنظيم هذا اليوم الدراسي. إن تفانيهم والتزامهم جعل هذا اللقاء ممكنا. أشكر كل واحد منكم على حضوركم اليوم وعلى مساهمتكم في هذا اليوم الدراسي. نرجو أن نستلهم جميعًا من جمال وعمق الفن المسيحي الأنطاكي، ولتستمر أبحاثنا في إلقاء الضوء على فهمنا لهذا التراث الروحي الغني”.

وفي نهاية اليوم الدراسي، قلد البطريرك العبسي وسام صليب القدس لندى حلو، ورافاييل زيادة، وليفون نورديغيان تقديرًا لجهودهم وأبحاثهم في الفن المسيح.

«
زر الذهاب إلى الأعلى