تقاطع أم تحالف: ما الفرق؟

 

خيضَت الجلسة رقم 12 لانتخابات رئيس للجمهورية بين مرشَحَين، مرشح يتفاخر بأنّه من ضمن حلف راسخ، بامتدادات اقليمية، وآخر قيل أنه نتاجُ تقاطعاتٍ بين قوى لا يجمعها جامع، حيث تركزت معظم الانتقادات للمرشح الذي نال العدد الأكبر من الأصوات لكونه مرشح التقاطع الظرفي، لمنع وصول مرشح «الحلف المتين»، حتى ولو على حساب المبادئ والشعارات، الأمر الذي أحرج الكثير من القوى والشخصيات المعارضة، ما سبب لهم ارباكاً، تجلّى في تصريحات متسرعة، كتلك التي تحدثت عن تجرّع السم لحظة الاضطرار لانتخاب المرشح الوزير جهاد أزعور.

 

فالحديث عن الفرق بين التقاطع السياسي على مرشح، والتحالف السياسي على مرشح آخر، أمر غير مفهوم بصورة علمية مباشرة، وهو بحاجة إلى توضيح، خصوصا وأنّ الصورة التي ترسّخت في الاذهان هي على الشكل التالي: التحالف ميزة، والتقاطع عيب أو نقيصة.

 

القضية هنا تتجاوز التسميات التي تصبّ جميعها في لعبة السلطة التي تقرُّ استخدام الوسائل المتاحة، لتحقيق الأهداف، أو لكسب تأييد الرأي العام.

 

معلوم أنّ هدف السياسة هو بلوغ السلطة، أو لنقل بصورة أوضح: إنّ الأحزاب السياسية وجدت كأداة للوصول إلى السلطة إما بقواها الذاتية أو مع الغير عن طريق بناء تحالفات، تقوم بداية على تقاطعات مرحلية، قد تؤدي إلى حلفٍ مستمر أو تنتهي عند حدٍّ معين بعد تحقيق المطلوب. وهذا أمر مألوف في علم السياسة، ففي الأدبيات الماركسية هناك ما يعرف بالتناقض الأكبر والتناقض الأصغر، الذي يمكن التحالف معه ظرفياً، للتفرغ للمواجهة الكبرى.

 

أيضا في الفكر الاستراتيجي هناك تحالفات استراتيجية، وأخرى قائمة على أهداف تكتيكية مشروعة، وهناك تحالفات عقائدية وآخرى آنية، وجميعها لا يمكن تقويمها من الناحية الأخلاقية لتبهيت نتائجها مسبقاً، أو ليبدو الطرف الآخر الرافض لها على أنّه مستهدف، ويظهر مظلوميته على أنه ضحية مؤامرة، جمعت الأضداد لتحييده سياسياً عن السلطة. فلو لم تكن تلك القوى المتحالفة، مختلفة أصلاً في عقائدها السياسية، لدخلت في حزبٍ واحدٍ، ولكانوا في غنى عن تأسيس أحزاب مختلفة تسعى لاحقاً للتحالف أو التقاطع. وتطبيقاً لهذا المبدأ على واقعنا اللبناني، يتبدى أنّ المنطلقات التي دفعت بـ»حزب الله» لاختيار فرنجية مختلفة كلياً عن منطلقات الرئيس نبيه بري في دعم ترشيحه. وما يأمله «الحزب» من فرنجية، يختلف كليا عمّا يأمله كلُّ من صوّت له في جلسة الانتخاب الاخيرة.

 

هكذا، وبعيداً عن وجود هؤلاء في حلف من عدمه، جاء توافقهم على ترشيح فرنجية بناء على منطلقات، لا تشير بالضرورة إلى تطابق في الأهداف من وراء ترشيحه، فعلى سبيل المثال لا الحصر، عدد لا بأس به من نواب الشمال يؤيديون فرنجية انطلاقاً من العلاقات التاريخية التي تربط عائلة فرنجية بمحيطها الشمالي، علاوة على بعض الميزات الشخصية التي يرتاح لها هؤلاء، والكثير منهم لا يخفي خلافه مع «حزب الله».

 

أيضاً إنّ المنطلقات التي دفعت الدكتور سمير جعجع وغيره من قوى المعارضة، لتبني ترشيج أزعور تختلف كلياً عن منطلقات النائب جبران باسيل الذي يعارض ترشيح فرنجية لاعتبارات شخصية ومصلحية، قائمة على تصفية الحساب، والإنتقام منه على عدم دعمه الصريح لعهد ميشال عون.

 

وفي لبنان، وعلى اعتبار أنّ نظامنا ليس رئاسياً، أي ليس المطلوب من المرشح للرئاسة أن يقدم برنامجاً متكاملاً للحكم، فما بعد انتخاب الرئيس سيدخل الجميع في مرحلة أصعب وأطول وهي مرحلة تشكيل الحكومة بما هي عملية سياسية معقدة، حيث المطلوب أن تضمّ «أصحاب التحالف» و»أصحاب التقاطع» والجميع سيسعى للتقرير في شكل ومحتوى تلك الحكومة، فضلاً عن بيانها الوزاري، وهي ستحكم وتدير شؤون البلاد في ظل رئيس عليه أن يلعب دور الحكم بين مكوناتها، كرأس الدولة والمؤتمن على الدستور.

 

قصارى القول إنّ اختيار النواب لمرشحهم الرئاسي حق مشروع، أبعد من فكرة التحالف أو التقاطع، ويجب أن يتأسس على هذا الحق تجسيد للممارسة الديمقراطية واحترام الدستور، والأكثرية الساحقة من الشعب اللبناني تنتظر من النواب تطبيق النظام. فالمثل الإيطالي يقول: حيث النظام نجد الطعام، وحيث الفوضى نجد الجوع.

 

 

 

 

!function(f,b,e,v,n,t,s)
{if(f.fbq)return;n=f.fbq=function(){n.callMethod?
n.callMethod.apply(n,arguments):n.queue.push(arguments)};
if(!f._fbq)f._fbq=n;n.push=n;n.loaded=!0;n.version=’2.0′;
n.queue=[];t=b.createElement(e);t.async=!0;
t.src=v;s=b.getElementsByTagName(e)[0];
s.parentNode.insertBefore(t,s)}(window, document,’script’,
‘https://connect.facebook.net/en_US/fbevents.js’);
fbq(‘init’, ‘2324369107809190’);
fbq(‘track’, ‘PageView’);

المصدر

سعر صرف الدولار في لبنان اليوم لحظة بلحظة

«
زر الذهاب إلى الأعلى