شهد الأسبوع الماضي تطوراً لافتاً في الملف المالي اللبناني،
مع إقرار مجلس النواب السماح لمصرف لبنان بطباعة أوراق نقدية جديدة، مع التأكيد على عدم زيادة حجم الكتلة النقدية المتداولة في السوق.
فما هدف هذه الخطوة؟ وهل تُعدّ مؤشراً سلبياً على الوضع الاقتصادي أو مقدّمة لتدهور جديد؟

لماذا طباعة فئات نقدية جديدة؟

السماح بطباعة أوراق نقدية جديدة لا يعني بالضرورة ضخ المزيد من العملة في السوق،
بل يهدف إلى استبدال الأوراق الصغيرة بأوراق نقدية أكبر، مثل فئة الـ500 ألف ليرة وربما المليون.
وقد تم تعديل أحكام المواد من 3 إلى 8 من “قانون النقد والتسليف وإنشاء المصرف المركزي” من أجل تنفيذ هذا القرار، وهو التعديل الثالث بعد تعديلين سابقين عامي 1987 و1992.

هذا الإجراء أثار تساؤلات عديدة بين اللبنانيين، خصوصاً أن كل خطوة مالية في البلاد غالباً ما تُقابل بالشك والقلق،
نظراً للتجارب السابقة وغياب الشفافية في الكثير من السياسات النقدية والمالية.

هل هذه الخطوة تعني انهياراً جديداً لليرة اللبنانية؟

يؤكد الخبير الاقتصادي والمالي الدكتور حبيب الزغبي، الرئيس الفخري لرابطة خريجي جامعة هارفارد في لبنان،
في حديث لجريدة “الأنباء” الكويتية، أن هذه الخطوة لا تدعو إلى القلق إطلاقاً.
ويقول:

“عادةً ما تلجأ الدول إلى طباعة فئات نقدية أكبر عندما تكون العملة في حالة انهيار سريع بسبب التضخم الهائل، كما حصل في لبنان منذ 3 أو 4 سنوات. أما اليوم، فالهدف هو تسهيل التعاملات اليومية وليس لأن الليرة تنهار من جديد.”

استقرار الليرة: حقيقة أم وهم؟

يطمئن الزغبي اللبنانيين بأن الليرة اللبنانية لا تمرّ حالياً بحالة تدهور،
بل إنها تشهد نوعاً من الاستقرار النسبي منذ تولّي وسيم منصوري منصب حاكم مصرف لبنان بالإنابة،
واستمر هذا الاستقرار حتى بعد تعيين الحاكم الحالي كريم سعيد. ويؤكد:

“لا يوجد أي خطر مباشر على استقرار العملة، والطباعة تهدف فقط إلى التخفيف من عبء التعامل بكميات كبيرة من الأوراق النقدية الصغيرة.”

هل سيساهم هذا القرار في ارتفاع التضخم؟

من الطبيعي أن تطرح هذه التساؤلات،
خاصةً في ظل التخوف من أن طباعة أوراق نقدية جديدة قد تؤدي إلى تضخم إضافي، لكن الزغبي يرى أن هذا لا ينطبق على الوضع الحالي.
فطالما أن الكتلة النقدية لن تزداد،
بل سيتم استبدال الأوراق القديمة بأخرى ذات قيمة أعلى، فإن التأثير التضخمي سيكون محدوداً أو معدوماً.

ما علاقة صندوق النقد الدولي بهذا القرار؟

يعتقد البعض أن هذه الخطوة تمهيد لتحرير سعر الصرف، وهو مطلب قديم لصندوق النقد الدولي. لكن الزغبي يرى أن:

“صندوق النقد لم يعُد يطالب بتحرير الليرة في الوقت الراهن، لأنه يدرك أن لبنان لا يتمتع حالياً باستقرار كافٍ للقيام بهذه الخطوة. فالعملة لا يجب أن تُترك لتتقلّب عشوائياً في سوق غير مستقرة.”

ويضيف أن ترك سعر الصرف للتقلّب الحر قد يعيد البلاد إلى مرحلة الفوضى المالية والمضاربات،
كما حدث في فترة “منصة صيرفة” التي استفاد منها البعض بشكل غير قانوني.

الهدف الحقيقي: تسهيل المعاملات ومواجهة الدولرة

من بين الأهداف المعلنة لهذا القرار، هو تشجيع الناس على استخدام الليرة اللبنانية بدلاً من الدولار،
خاصةً مع انتشار ظاهرة الدولرة في مختلف المعاملات اليومية.
فطباعة أوراق نقدية بفئات كبيرة تسهّل عمليات الشراء والنقل والتخزين، وتقلل من الحاجة لحمل “رزم” ضخمة من الأموال الورقية.

هل هناك خطر من تسهيل عمليات التهريب أو تبييض الأموال؟

قد يتساءل البعض ما إذا كانت هذه الأوراق الجديدة ستُستخدم في تهريب الأموال أو تبييضها. وهنا يعترف الزغبي بأن هذا احتمال وارد، ولكن:

“من الصعب استخدام الليرة اللبنانية خارج لبنان، ولا يمكن صرفها بسهولة في الأسواق الخارجية. ومع ذلك، تبقى احتمالات التهريب إلى سوريا قائمة، خاصةً إذا تحسّن وضع الليرة مستقبلاً بعد توقيع اتفاق مع صندوق النقد.”

خلاصة: خطوة تقنية لا يجب أن تُقلق اللبنانيين

في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد،
من المهم عدم الانجرار وراء التحليلات المتشائمة أو النظريات غير المبنية على أسس واضحة.
طباعة أوراق نقدية جديدة ليست بالضرورة دليلاً على أزمة قادمة،
بل يمكن أن تكون خطوة إدارية وتقنية تهدف إلى تنظيم السوق النقدي وتسهيل الحياة اليومية للمواطنين.