ملخص: رغم الخسائر التي تكبدها حزب الله في المواجهات الأخيرة، إلا أنه يعمل بنشاط على إعادة بناء قدراته العسكرية، مع التركيز على الأسلحة الرخيصة والفعالة وسهلة الإخفاء. هذا التطور يهدد بتغيير موازين القوى في أي مواجهة مستقبلية، ويتطلب استراتيجيات جديدة للتعامل مع هذا التهديد المتطور.
منذ اندلاع المواجهة بين حزب الله وإسرائيل عام 2023، ورغم ما تكبده الحزب من ضربات موجعة في التسليح والقيادة والبنية التحتية، إلا أن المؤشرات تدل على انطلاقه في عملية إعادة بناء منظوماته بشكل ممنهج ومتسارع. يركز الحزب بشكل خاص على الأسلحة التي تحقق أقصى تأثير بأقل تكلفة، مع تقليل الاعتماد على البنى التحتية المكشوفة. هذه التطورات تنذر بتغيير موازين الخطر في أي مواجهة قادمة، سواء على الحدود الشمالية أو في العمق الإسرائيلي.
خلال المواجهات السابقة، اعتمد حزب الله تقليدياً على مزيج من صواريخ باليستية دقيقة، وقذائف راجمات متنوعة، بالإضافة إلى مخزون كبير من الصواريخ غير الموجهة. لكن الضربات الجوية والاستخباراتية الإسرائيلية أضعفت جزءاً كبيراً من هذه المنظومات، وكشفت الحرب عن محدودية قدرة الحزب على خلق قوة نارية مستدامة في الميدان. لم يتمكن الحزب من تجاوز معدل الإطلاق اليومي المطلوب لممارسة ضغط حاسم (230 قذيفة) إلا مرة واحدة، مما يعكس مشكلات لوجستية وبطئاً في نقل وتهيئة منصات الإطلاق تحت ضغط التصدي الجوي.
في المقابل، برزت أسلحة بسيطة ولكنها فعالة: قذائف محلية الصنع مثل “البركان” التي يصعب اعتراضها، وصواريخ موجهة مضادة للدروع من طراز “ألماس” التي تتيح استهدافاً دقيقاً من مواقع مخفية. هذه الأسلحة مثال على كيفية تحقيق تأثير قتالي ملموس بتكاليف منخفضة نسبياً واعتماد أقل على شبكات لوجستية معقدة.
في مجال الطائرات المسيرة، دفعت الخسائر الكبيرة حزب الله إلى تبني استراتيجية تركز على المقايضة بين الكلفة والفعالية. الاستثمار الكبير في طائرات مسيرة متطورة لم يحقق الأداء المطلوب أمام الضربات الجوية، ما دفع الحزب إلى الإنتاج الكمي لنماذج صغيرة ورخيصة مثل “أبابيل T” و “صمد 2” و “شاهد 101/107”. هذه الأدوات، وإن كانت أحادية الاستعمال في الغالب، تتيح شن هجمات متكررة بتكلفة منخفضة وتقليل متطلبات التخزين والبنى التحتية المعقدة.
تكتيكياً، التحول الأهم يتمثل في تقليل الاعتماد على العنصر البشري: صواريخ موجهة يمكن إطلاقها من مخابئ محصنة، وطائرات مسيرة صغيرة لا تحتاج إلى ممرات إقلاع أو قواعد واضحة. هذا يقلل الحاجة إلى قوات بشرية كبيرة ويجعل منفذي الهجوم أقل عرضة للاكتشاف والاستهداف. بهذا المعنى، يصبح التهديد أكثر فاعلية لكل عنصر في التنظيم، وتصبح عملية تفكيك الشبكات وإحباطها أصعب وأكثر استغراقاً للوقت.
من ناحية أخرى، لا يجب التقليل من قدرات الكشف والاعتراض الإسرائيلية التي لعبت دوراً حاسماً في إحباط العديد من الهجمات في الجولة السابقة. نجاح منظومات الدفاع الجوي والاستخبارات الجوية حدّ من تأثير موجات الصواريخ والطائرات المسيرة، وعمليات تدمير منصات الإطلاق والمخازن أثرت مباشرة في القدرة التشغيلية للحزب. ومع ذلك، فإن التحول إلى أسلحة أخف وزناً وأكثر تجزؤاً يطرح أسئلة جديدة حول مدى فاعلية نماذج الاعتراض الحالية أمام هجمات متماثلة وموزعة بكثافة.
سياسياً، فإن قدرة الحزب على إعادة التسلح جزئياً وبسرعة تعتمد أيضاً على البيئة اللبنانية المعقدة التي تسمح بمرونة نسبية في إعادة البناء، سواء عبر شبكات محلية أو عبر تدفقات دعم إقليمية. هذا الواقع يجعل أي انتصار عسكري مجرد لحظة في سياق أوسع يتطلب معالجة سياسية ودبلوماسية شاملة لمنع تكرار التصعيد وتقويض القدرة العملياتية للحزب على المدى المتوسط.
الخلاصة العملية هي أن المواجهة المقبلة لن تكون بالضرورة نسخة طبق الأصل عن سابقتها. التطور في طبيعة التهديد قد يؤدي إلى مواجهات أكثر تعقيداً، حيث تصبح الأسلحة الرخيصة والمتاحة بكميات كبيرة، والقادرة على الإخفاء والتشظي في الشبكة القتالية، هي السلاح المفضل لخلق الإرباك والتأثير. في مثل هذه البيئة، تتطلب الاستجابة مزيجاً من تحديث الاستعدادات الاستخبارية والاعتراضية، وتوسيع أدوات التعامل المدني والعسكري مع تهديدات متفرقة وصغيرة الحجم ولكنها متكررة، وإجراءات سياسية تقوض قدرة الحزب على إعادة بناء ترسانته دون رعاية أو ظرف سياسي يسهل ذلك.
المصدر: لبنان اليوم