
جريدة الانباء الالكترونية
لم يكن أكثر المتفائلين يتوقّع أن يأتي الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إلى المنطقة ليعلن انتهاء الحرب التي خاضتها إسرائيل ضد حركة حماس والشعب الفلسطيني بقرار ودعم أميركيين، وأن يمرّ في تقييمه لنتائج هذه الحرب على لبنان وحزب الله، ويعلن “انكساره”، فبدا كما لو أنه “عرّاف” يتوقع أن يتبادل الفلسطينيون والعرب من جهة “قبلات” التعايش مع إسرائيل، ويقلبون صفحة إجرام رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، ليعيشوا بفضل ترامب بسلام وأمان في المنطقة التي سيتسيّدها القرار الأميركي – الإسرائيلي بعد اليوم.
وفي الوقت الذي كان فيه لبنان غائباً عن قمة شرم الشيخ، فاجأ الرئيس جوزاف عون الوسَطين السياسي الداخلي والإقليمي بإعلانه أنّ، “الجو العام الإقليمي هو جوّ تسويات فما الذي يمنع إجراء مفاوضات بين لبنان وإسرائيل على غرار المفاوضات التي خضناها معها، وأدّت إلى إنجاز الترسيم البحري؟”
بالتأكيد، ما قبل 13 تشرين الأول 2025، لن يكون كما بعده، فبعد انتهاء حرب الإبادة، ودخول ترامب إلى المنطقة من بوابة إسرائيل “رجل سلام”، ويطلق من قمة شرم الشيخ حول غزة تباشير مرحلة جديدة في الشرق الأوسط فرضتها قوة التوازنات الجديدة التي خلصت إليها نتائج معركة “طوفان الأقصى”، والتي تحوّلت من حرب إسرائيلية على حركة حماس، وحرب إشغال ومساندة مع حزب الله في لبنان، إلى حرب إبادة ضد الفلسطينيين من جهة، وحرب أميركية – إسرائيلية ضد إيران ومحور المقاومة التابع لها، من جهةٍ أخرى.
هذه الحرب التي أظهرت تفوقاً عسكرياً وتكنولوجياً كبيرَين للأسلحة الإسرائيلية – الأميركية، جعلت من “محور وحدة الساحات” مساحة اختبار لقوة ودقة الأسلحة الأميركية الحديثة الذكيّة منها، والفائقة الدقة المرتبطة بالتكنولوجيا المتطورة والذكاء الإصطناعي، واختبار أنواع المسيّرات وأشكال الحرب السيبرانية، انتهت بنتائجها التي فرضت تفوقاً عسكرياً إسرائيلياً، وسيطرةً مطلقة على أجواء الشرق الأوسط.
فمن شرم الشيخ، وبحضور أكثر من 20 زعيم دولة ومنظمة عالمية، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب انتهاء الحرب في قطاع غزة، وبدء تحقيق “سلام في الشرق الأوسط”. وقال بعد توقيعه مع قادة مصر وتركيا وقطر وثيقةً لضمان إنهاء الحرب بين إسرائيل وحركة حماس: “لقد حقّقنا معاً ما كان يقول الجميع إنّه مستحيل. أصبح لدينا سلام في الشرق الأوسط”. وأضاف، “هذا يوم عظيم للشرق الأوسط”، وأكّد أنّ حرب غزّة انتهت، والمساعدات تتدفق الآن إلى القطاع، وأشار إلى أنّ، “إعمار غزّة يتطلّب نزع السلاح ونشر قوات تحفظ الأمن، وهناك الكثير من العمل لرفع الركام في غزّة”.
غزة
يوم غزّة الذي بدأ منذ ساعات الفجر الأولى بإطلاق المعتقلين الإسرائيليين والأسرى الفلسطينيين، استكمله الرئيس ترامب بخطاب في الكنيست الإسرائيلي، هو الأول من نوعه لرئيس أميركي منذ قيام الكيان الإسرائيلي المحتل، وبدأه بقوله، “اليوم سكتت البنادق، ومستقبل الشرق الأوسط سيصبح مشرقاً”. وأعرب عن تقديره للدول العربية والإسلامية، واصفاً إياها بـ”شركاء في السلام”. وأكّد على أنّه سيتم نزع سلاح “حماس”، ولن يكون أمن إسرائيل مهدّداً، ويمكن لإسرائيل التوجّه للسلام الآن وضمان عدم تكرار الحروب. كما أعلن: “أنجزنا المستحيل وأعدنا الرهائن إلى بيوتهم”.
لبنان، الذي لم تتمّ دعوته إلى قمة شرم الشيخ، حضر في خطاب الرئيس ترامب في الكنيست قائلاً، “إنّ أموراً جيدة تحدث في لبنان”، وقال: “نؤيّد مساعي الرئيس اللبناني لحصر السلاح بيد الدولة”.
جنبلاط
وعقبَ كلمة الرئيس ترامب، في الكنيست الإسرائيلي، والتي قال فيها إنَّ واشنطن أنجزت المستحيل، وأعادت الرهائن وأنهت كابوس الحرب، الطويل والمؤلم، للشعب الفلسطيني وللإسرائيليين، نشر الرئيس وليد جنبلاط على “أكس”، عدّة خرائط تفصيلية تعود إلى العام 1946، وفيها تظهر الدولة الفلسطينية، ودولة إسرائيل والقدس، “غير الخاضعة لأيٍ من الدولتين”، وكتب معلّقاً: السلام المستحيل.
عون
انطلاق قطار السلام في الشرق الأوسط، بهذا الزخم العربي والدولي، وفي ظلّ المتغيّرات التي عصفت بالمنطقة، سيكون له تداعيات مباشرة ومؤثّرة على لبنان الذي ما زال يراوح على قارعة الانتظار بين رفض حزب الله التعاون مع الحكومة في تسليم سلاحه التزاماً بمقررات الحكومة وبيانها الوزاري وخطاب القسم، والتزاماً بمضمون اتّفاق وقف إطلاق النار والقرار 1701، والخروقات الإسرائيلية اليومية المتواصلة، والتي كان آخرها في منطقة المصيلح، والتي تحمل رسائل عديدة، بالشكل والمضمون والتوقيت.
واعلن الرئيس جوزاف عون، “أنّه سبق للدولة اللبنانية أن تفاوضت مع إسرائيل برعاية أميركية والأمم المتحدة، ما اسفر عن اتّفاق لترسيم الحدود البحرية تمَّ الإعلان عنه من مقر قيادة “اليونيفيل” في الناقورة. فما الذي يمنع أن يتكرَّر الأمر نفسه لإيجاد حلول للمشاكل العالقة، لا سيّما وأنّ الحرب لم تؤدِّ إلى نتيجة؟ فإسرائيل ذهبت إلى التفاوض مع حركة “حماس” لأنّه لم يعد لها خيار آخر بعدما جرّبت الحرب والدمار. واليوم الجو العام هو جوّ تسويات ولا بد من التفاوض، أمّا شكل هذا التفاوض فيُحدّد في حينه”.
في هذا السياق أشارت مصادر مطّلعة إلى أنّه على حزب الله، والقوى السياسيّة كافةً الالتفاف حول موقف الرئيس جوزاف عون الذي يحمل رسائل متقدّمة، سيّما وأنّ الأمور باتت أكثر من معقّدة لا سيّما وأنّ، “عدم دعوة لبنان لاجتماع نيويورك، وعدم دعوته لحضور قمة شرم الشيخ رغم تأييده لخطة الرئيس ترامب، ينطوي على رسائل يجب قراءتها بدقّة، حيث العالم لم يعد يتعامل مع لبنان كدولةٍ مكتملة السيادة، ولا يبدي استعداداً للمساعدة في الإعمار، فلبنان يدفع ثمن التأخير في تنفيذ الإصلاحات، وأوّلها حصر السلاح بيد الدولة. لقد حان الوقت للسير خطوة إلى الأمام وعدم الاستماع إلى التصريحات الإيرانية المسمومة.