الولايات المتحدة: تنامي شبكات تهريب البشر يشكل "أزمة صامتة" على الطرق السريعة

لبنان اليوم

تسلط وسائل إعلام أمريكية الضوء على أزمة متفاقمة تجتاح الطرق السريعة في الولايات المتحدة، حيث يختفي ضحايا الاتجار بالبشر دون أن يتركوا أثراً.

ذكرت قناة “فوكس نيوز” أن هذا الموضوع أصبح محط اهتمام خاص بعد عملية واسعة النطاق لضبط تهريب الأطفال، وهي من بين الأكبر في تاريخ الولايات المتحدة. وأشارت القناة إلى أن الاتجار بالبشر عبر الطرق السريعة بين الولايات أصبح ظاهرة شائعة بشكل متزايد في جميع أنحاء البلاد.

لكن، تبقى البيانات الدقيقة حول عدد الضحايا الذين يتم نقلهم على هذه الطرق غير متوفرة، ويعزى ذلك بشكل كبير إلى السرية التي تحيط بهذه الجرائم.

في شهر تشرين الثاني الماضي، نفذت عملية واسعة في عدة مناطق، بمشاركة وكالات فيدرالية وحكومية ومحلية، أسفرت عن إنقاذ 122 طفلاً مفقودًا أو معرضًا للخطر من عشر ولايات، وفقًا لما صرح به المدعي العام لولاية فلوريدا جيمس أوثماير. وقد كانت هذه المهمة، التي أُطلق عليها اسم “عملية العودة إلى الوطن خلال العطلات”، واحدة من أكبر جهود استعادة الأطفال في تاريخ البلاد، وشملت أطفالاً تتراوح أعمارهم بين 23 شهرًا و 17 عامًا.

أوضح أوثماير لقناة “FOX13” قائلاً: “لقد مرّ الكثيرون بظروف لا تُصدّق… وجرت المتاجرة بهم واستغلالهم وتعرّضوا للإساءة. إنهم بحاجة إلى مساعدتنا الآن أكثر من أي وقت مضى”.

من بين الضحايا الذين تم إنقاذهم، تم العثور على 109 أطفال في مدن مختلفة بأنحاء ولاية فلوريدا، بينما تم إنقاذ ثلاثة عشر طفلاً من ولايات أخرى ودول أخرى، بحسب أوثماير.

تُعرّف وزارة الأمن الداخلي (DHS) الاتجار بالبشر بأنه “استخدام القوة أو الاحتيال أو الإكراه للحصول على نوعٍ من الكسب أو العمل الجنسي التجاري”.

وبحسب تقرير صادر عام 2024 عن اللجنة الاستشارية في وزارة النقل بشأن الاتجار بالبشر، يحقق المتاجرون على مستوى العالم أرباحًا تتجاوز 150 مليار دولار سنويًا من خلال استغلال الضحايا في الجنس التجاري والعمل القسري.

أشار التقرير إلى أن شبكات النقل – بما في ذلك الطرق والسكك الحديدية والممرات المائية والطرق الجوية – تعتبر شرايين حيوية للاتصال والتجارة العالمية، إلا أنها تستخدم في الوقت نفسه لتسهيل الحركة السرية للأفراد المعرضين للاتجار من خلال إخفائهم بين الأعداد الهائلة من المسافرين الشرعيين.

في عام 2023، تلقى الخط الساخن الوطني لمكافحة الاتجار بالبشر 9619 بلاغًا مؤكدًا عن حالات اتجار على مستوى البلاد، فيما حددت السلطات 16999 ضحية محتملة، وفقًا للتقرير. وعلى الرغم من أن الخط الساخن لا يتتبع الحالات المتعلقة بالنقل، فقد أشار التقرير إلى وجود 36 حالة اتجار في محطات الشاحنات عام 2023.

نقلت القناة عن مسؤولين قولهم إن المتاجرين “ينطلقون من جنوب فلوريدا ثم يتّجهون إلى أتلانتا، ومنها يمرّون عبر شارلوت، وغالبًا ما يضعون الضحايا في ملاجئ آمنة هناك”. وأضافت المصادر أن الضحايا قد يُنقلون من شارلوت إلى مراكز حضرية أكبر مثل نيويورك، مؤكدة أن الاتجار بالبشر منتشر في العديد من المدن الكبرى مثل جنوب فلوريدا وميامي وأتلانتا وهيوستن وغيرها.

أكدت وزارة النقل أن قطاع النقل يلعب دورًا رئيسيًا في تسهيل الاتجار بالبشر وفي منعه أيضًا.

بحسب تقرير الاتجار بالبشر الفيدرالي السنوي الصادر عن معهد مكافحة الاتجار بالبشر، كانت المركبات الخاصة هي الشكل الأكثر شيوعًا لنقل ضحايا الاتجار بالجنس عام 2023، إذ مثلت 38% من الحالات المبلغ عنها، في حين شكلت وسائل النقل الجوي وخدمات النقل المشترك 7% لكل منهما. كما شكلت المركبات التجارية ومركبات التأجير 3% لكل منهما، بينما نُقل 2% من الضحايا بالحافلات و1% بالقطارات.

وفقًا للمسؤولين، تستغل جماعات الجريمة المنظمة وسائل النقل في جميع أنحاء البلاد لنقل الضحايا عبر حدود الولايات، فيما تواجه أجهزة إنفاذ القانون صعوبات كبيرة في تعقب المتاجرين وضحاياهم، ولا سيما عندما يتم نقل الأفراد بصورة متكررة.

أوضحت “فوكس نيوز” أن العديد من إدارات الشرطة في البلاد تفتقر إلى القوى العاملة أو الموارد اللازمة لتعقب المتاجرين خلال تنقلاتهم.

يُعد مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) ووزارة الأمن الداخلي الوكالتين الرئيسيتين المسؤولتين عن قضايا الاتجار بالبشر في الولايات المتحدة نظرًا لطبيعتها الفيدرالية.

شدد المسؤولون على ضرورة تعزيز التعاون بين الجهات الفيدرالية والمحلية، وتخصيص موارد إضافية لمكافحة الاتجار بالبشر. ويعكس تقرير وزارة النقل هذا التوجه، مشيرًا إلى أن وزارة العدل لديها “بيانات قليلة أو تكاد تكون معدومة” حول جرائم الاتجار المرتبطة بالنقل التجاري، وداعيًا إلى إنشاء قاعدة بيانات أقوى بين وكالات إنفاذ القانون.

بناءً على ذلك، أطلقت الإدارة الفيدرالية لسلامة شركات النقل البري حملة “طرقكم، حريتهم” لتوعية سائقي المركبات التجارية بمؤشرات الاتجار بالبشر، مثل تبادل الأفراد بين سيارتين أو استخدام المصابيح الأمامية للتواصل في مواقف السيارات أو التحدث عن “بيع” شركة تجارية.

يقر المسؤولون بأن صعوبة تعقب الضحايا تعود جزئيًا إلى ضعف وعي الجمهور بهذه الجرائم، مما يجعلها تنتشر في المناطق الأكثر اكتظاظًا بالسكان، إضافة إلى محدودية البيانات اللازمة لتوعية الناس بحجم المشكلة، مؤكدين أنه “وباء حقيقي”.