يؤمن هانز فليك، مدرب برشلونة، بأن استعادة هوية البارسا الأصيلة تبدأ بالعودة إلى “ملعب سبوتيفاي كامب نو”، مشيراً إلى أن اللعب في معقل الفريق ليس مجرد انتقال مكاني، بل هو خطوة جوهرية لإحياء الروح القتالية والترابط التاريخي بين الفريق وأنصاره.
ويرى المدرب الألماني أن تواجد الفريق داخل أسوار ملعبه التاريخي يمثل ضرورة رياضية ومعنوية في آن واحد.
وأعلن برشلونة عبر موقعه الرسمي عن عودة الفريق لخوض مبارياته في “كامب نو” بدءًا من مواجهة أتليتك بيلباو في الجولة الـ 13 من الدوري الإسباني يوم 22 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري.
ووفقًا لصحيفة “موندو ديبورتيفو” الإسبانية، فقد عبّر فليك مرارًا عن حماسه لقيادة برشلونة في “كامب نو”، مؤكدًا أن الملعب يمثل حجر الزاوية في استعادة جوهر أسلوب اللعب والهوية الكتالونية.
وأثناء تقديم الملعب الرسمي، أوضح فليك أن “كامب نو” يمثل رمزًا للطموح ومصدرًا للطاقة التي يحتاجها الفريق لتجاوز اللحظات الصعبة وتحقيق الفوز.
وفي حوار مع وسائل إعلام النادي، استرجع فليك ذكرياته الأولى في “كامب نو”، عندما زاره لأول مرة منذ أكثر من عقدين.
حينها، كان يعمل في متجر للمستلزمات الرياضية، قبل أن تمنحه شركة “نايكي” فرصة لحضور مباراة للفريق تقديرًا لمبيعاته المرتفعة. وهناك، بين المدرجات، ولد حلم تدريب برشلونة الذي تحول لاحقًا إلى حقيقة.
وقال فليك: “في تلك الفترة، قبل 20 أو 23 عاماً، كنت أكبر بائع لمنتجات الرياضات الجماعية في ألمانيا لمدة 5 أو 6 سنوات. تمت دعوتنا لحضور مباراة هنا في برشلونة. جلست في المنصة، في المدرجات، وقلت: حسناً، يوماً ما أريد أن أدرب هنا”.
وأضاف: “كانت مباراة أمام خيتافي الذي كان يدربه بيرند شوستر. قلت: يوماً ما أريد أن أكون مدرباً هنا… وحققت ذلك”، معربًا عن فرحته بتحقيق حلم طال انتظاره.
انضم فليك إلى النادي في صيف 2024، في وقت كان الفريق يخوض مبارياته على ملعب لويس كومبانيس الأولمبي بشكل مؤقت.
إلا أن هذا الانتقال لم يوفر الأجواء المعهودة في “كامب نو”، حيث ظل مستوى التشجيع في مونتجويك محل نقاش طوال الموسم. فالمسافات بين المدرجات والملعب، والاتساع، وغياب البيئة المغلقة، كلها عوامل حرمت الفريق من الأجواء التي اعتاد عليها في معقله التاريخي، رغم جهود الجماهير لدعم الفريق باستمرار.
تعامل فليك مع هذه التحديات بواقعية، مؤكدًا في مؤتمراته الصحفية تقديره لالتزام الجماهير، خاصة في المباريات الهامة. لكنه في المقابل يرى أن العودة إلى “سبوتيفاي كامب نو” ستكون خطوة أساسية لتعزيز هوية الفريق التنافسية.
ويعتقد فليك أن الملعب سيكون له دور حاسم في المباريات الصعبة، وسيمثل دفعة قوية للمواهب الصاعدة من “لا ماسيا” خلال انتقالها إلى الفريق الأول، وذلك ضمن جهوده لترسيخ أسس مشروعه الرياضي.
بالنسبة لفليك، فإن العودة إلى “كامب نو” تتجاوز مجرد تغيير الملعب؛ فهي خطوة أخيرة نحو استعادة هوية برشلونة الكاملة، بدعم من جماهيره وعلاقة عاطفية لا يمكن توفيرها إلا بملعب بحجم وقيمة النادي الكتالوني.
تاريخ “كامب نو”
يُعتبر “كامب نو” من أبرز الصروح الرياضية في العالم، ورمزًا لهوية نادي برشلونة العريقة.
تم افتتاحه رسميًا في 24 سبتمبر/أيلول 1957، بعد سنوات من التخطيط والإنشاء لتلبية احتياجات النادي المتزايدة بعد النجاحات المتتالية في كرة القدم الإسبانية.
جاء إنشاء “كامب نو” كحل للملعب السابق، “ملعب كازا فيا”، الذي لم يعد يستوعب الأعداد المتزايدة من الجماهير وكان دون المستوى الذي يطمح إليه النادي في ذلك الوقت.
في البداية، صُمم “كامب نو” لاستيعاب حوالي 93,000 متفرج، مما جعله أحد أكبر الملاعب في أوروبا آنذاك. وجاء تصميمه المعماري ليواكب المعايير العالمية، مع مساحات واسعة للمقاعد وملعب مجهز بأحدث التقنيات في تلك الحقبة.
ساهمت المساحة الكبيرة للمدرجات في خلق أجواء مميزة داخل الملعب، مما جعله سريعًا محط أنظار عشاق كرة القدم من جميع أنحاء العالم، وموطنًا لجماهير نادي برشلونة المعروفة بحماسها الشديد.
على مر العقود، شهد “كامب نو” العديد من التطورات والتوسعات. في السبعينيات والثمانينيات، بدأ النادي في إجراء تحسينات على المرافق والبنية التحتية، وشملت توسعة المدرجات وتركيب مقاعد مريحة، بالإضافة إلى تطوير المناطق المخصصة للإعلام والمقصورات الفاخرة. وبمرور الوقت، أصبح الملعب مجهزًا بأحدث أنظمة الإضاءة وشاشات العرض، مع تحسينات في أنظمة السلامة والأمن، مما جعل تجربة الجماهير أكثر راحة وأمانًا.
من الأحداث التاريخية التي استضافها الملعب، استضافة العديد من المباريات الكبرى، سواء على المستوى المحلي أو الدولي. فقد استضاف نهائيات كأس ملك إسبانيا ودوري أبطال أوروبا، بالإضافة إلى مباريات المنتخب الإسباني خلال فترات مختلفة.
ولا يقتصر تاريخ “كامب نو” على كرة القدم فقط، بل استضاف أيضًا فعاليات رياضية أخرى وحفلات موسيقية ضخمة، مما يعكس مكانته كمعلم ثقافي ورياضي في قلب برشلونة.
يُعتبر “كامب نو” أكثر من مجرد ملعب؛ فهو رمز لهوية وثقافة النادي الكتالوني. الجدار الشهير عند مدخل الملعب، المزخرف بصور وإنجازات النادي، يعكس تاريخ برشلونة الممتد لأكثر من قرن. كما أصبح الملعب مركزًا سياحيًا هامًا، حيث يزوره آلاف الزوار سنويًا للتعرف على متحف النادي والقيام بجولة حول الملعب، مما يتيح لهم تجربة تاريخية وثقافية رياضية في آن واحد.
في السنوات الأخيرة، دخل “كامب نو” مرحلة جديدة من التطوير مع مشروع “إسباي بارسا” الذي يهدف إلى تحديث جميع مرافق النادي وزيادة الطاقة الاستيعابية للملعب.
يشمل المشروع تحسينات في البنية التحتية، وإنشاء مناطق متعددة الاستخدام، وتحسين الخدمات الجماهيرية، بالإضافة إلى توفير أحدث التقنيات في الإضاءة والصوت والمراقبة.
يهدف هذا المشروع إلى جعل “كامب نو” واحدًا من أكثر الملاعب تطورًا في العالم، مع الحفاظ على هويته التاريخية والثقافية.
يبقى “كامب نو” أيقونة حقيقية لكرة القدم، ليس فقط كونه ملعبًا كبيرًا وذو تصميم معماري مميز، بل أيضًا كرمز للنادي وجماهيره، حيث تحمل كل زاوية في الملعب ذكريات الانتصارات والبطولات، من الأهداف التاريخية إلى اللحظات الحاسمة في البطولات الأوروبية والمحلية.
تاريخ “كامب نو” هو تاريخ برشلونة نفسه، حيث يعكس كل توسعة أو تطوير رغبة النادي في مواكبة العصر دون التخلي عن تراثه العريق.
