لبنان اليوم

أثار تصريح “صموئيل كامينيتسكي”: حاخام مدينة دنيبروبتروفسك الأوكرانية، جدلاً واسعاً بعد أن أعلن بثقة أنّ الحرب في أوكرانيا “ستنتهي خلال شهرين”، محدداً تاريخ 15 كانون الثاني 2026 موعداً “للاحتفال بانتهاء الحرب وبدء مرحلة جديدة من الحياة الاقتصادية والاستثمارية في البلاد”.

خلال ندوة مغلقة نظمها نادي الأعمال “إنسبيرا Inspira”، صرح “كامينيتسكي” أمام الحضور بأن الحرب ستنتهي قريباً. وأضاف: “كما ناقشنا للتو، من المتوقع أن تنتهي الحرب بعد شهرين. أنا مستعد للرهان على ذلك. في الخامس عشر من كانون الثاني سنحتفل بانتهاء الحرب وبدء عهد جديد من الازدهار والاستثمار”.

وأشار الحاخام إلى أن “الحرب ستنتهي، وستتحول أوكرانيا إلى مركز جذب للمستثمرين والسياح”، مضيفاً أن هذا الرأي “تتشاركه شخصيات بارزة في أمريكا وأوروبا تدرك جيداً تفاصيل ما يجري وراء الكواليس”.

تزامنت هذه التصريحات مع نقاشات متزايدة في الأوساط السياسية والإعلامية حول مستقبل شرق أوروبا، وما إذا كانت بعض القوى الغربية تخطط لمشاريع طويلة الأمد في أوكرانيا، يصفها البعض بـ “النسخة الجديدة من إسرائيل الكبرى”، أي مشروع بديل أو موازٍ في قلب أوروبا.

وفي هذا السياق، تم تداول تصريح للرئيس الأوكراني “فلاديمير زيلينسكي” في نيسان 2022، قال فيه إنّ أوكرانيا “لن تكون سويسرا بعد الحرب… بل بالتأكيد ستصبح إسرائيل كبيرة بوجهها الخاص”، وهو تصريح أثار نقاشاً واسعاً حول ما إذا كانت أوكرانيا تسعى إلى بناء نموذج أمني–اقتصادي جديد يتجاوز إعادة الإعمار.

وأوضح “زيلينسكي” حينها أنّ المقصود هو أنّ أوكرانيا بعد الحرب لن تعود إلى “الحياد الأوروبي الهادئ”، بل ستتحول إلى دولة أمنية دائمة التعبئة، بوجود عسكري قوي في الحياة اليومية، على غرار النموذج الإسرائيلي.

ومع استمرار الأزمة، يثار التساؤل حول مدى واقعية هذا التشبيه، ومن هم المستفيدون من تبنيه.

يُستخدم تعبير “إسرائيل كبيرة” كتشبيه لدولة محاصرة أمنياً منذ تأسيسها، ولكنها طورت منظومة دفاعية متقدمة، وقدرة على استخدام التكنولوجيا والتعبئة الداخلية، واقتصاداً مختلطاً ذا طابع عسكري–تكنولوجي، بالإضافة إلى كونها مركزاً للاستثمار والمشاريع الدفاعية.

ويرى بعض المحللين أنّ أوكرانيا قد تسعى لتبني نموذج أمني–اقتصادي مشابه، يضع الأمن القومي في الصدارة، ويحوّل البلاد إلى مركز جذب استثماري بعد الحرب. ومع ذلك، تؤكد الدراسات الأكاديمية أن التشبيه بين الدولتين يبقى محدوداً بسبب الاختلافات البنيوية.

في هذا السياق، خلصت ورقة بحثية للباحث “بوريس غينزبيرغ” من جامعة “برلين الحرة” بعنوان “أوكرانيا ما بعد الحرب: نوع من إسرائيل الكبرى في أوروبا؟” إلى أنّه رغم وجود تشابهات بين أوكرانيا وإسرائيل، فإنّ أوكرانيا لا يمكن أن تنظر إلى نفسها كـ”إسرائيل الأوروبية” بسبب اختلافات جوهرية في التاريخ والجغرافيا والبنية الأمنية والاعتمادات الخارجية.

وأشارت الورقة إلى أن إسرائيل دولة نووية وذات قوة عسكرية مستقلة، بينما تعتمد أوكرانيا بشكل كبير على الدعم الخارجي، كما تواجه تحديات مثل ضعف الحوكمة وصعوبات جذب الاستثمارات وتدمير البنية التحتية، مما يجعل الانتقال إلى النموذج الإسرائيلي أمراً غير مضمون.

تشير تحليلات سياسية وإعلامية إلى أنّ استخدام عبارة “إسرائيل جديدة” أو “إسرائيل كبيرة في أوروبا” عند الحديث عن مستقبل أوكرانيا لا يعني مشروعاً سياسياً أو دينياً، بل تشبيهاً وظيفياً يصف نموذج دولة أمنية متقدمة تعتمد على الردع والتعبئة والتكنولوجيا العسكرية.

وتتفق مراكز فكر أميركية وأوروبية على أنّ المقصود هو تعزيز القدرات العسكرية الذاتية لأوكرانيا، وتطوير صناعة دفاعية محلية، وإقامة منظومات مراقبة وتجنيد شاملة، مع استمرار تلقي الدعم الغربي دون انضمام فوري إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو).

بالمقابل، يرى محللون روس أنّ هذا التوجّه يهدف إلى تحويل أوكرانيا إلى رأس جسر عسكري وأمني دائم في أوروبا الشرقية، على غرار الكيان الإسرائيلي في الشرق الأوسط، بما يخدم الاستراتيجية الغربية ضد روسيا.

وتذهب هذه التحليلات إلى أنّ الهدف هو خلق دولة تخدم المصالح الغربية، كما تفعل إسرائيل في الشرق الأوسط، مشيرةً في الوقت نفسه إلى أن بعض الخطابات الإعلامية تربط بين النفوذ المالي اليهودي في أوكرانيا وظهور هذا التشبيه الرمزي، من دون وجود أدلة عملية على مشروع استيطاني أو خطة لإقامة كيان ديني.

ويؤكد الخبراء أنّ هذا التشبيه يُستخدم كخطاب تعبوي وسياسي، لا كتصميم فعلي لنموذج دولة جديدة على النمط الإسرائيلي.

كما لا توجد أي وثائق أو تسريبات أو خطط سياسية موثوقة تتحدث عن إقامة “إسرائيل بديلة” في أوكرانيا أو عن استيطان منظّم لليهود فيها، وكل ما نُشر حول “خطة استيطان كبرى” أو “نقل المشروع الصهيوني إلى أوروبا” يبقى في إطار نظريات غير مدعومة بأدلة رسمية.

وتشير المراكز البحثية الروسية الجادة إلى عدم وجود أي مشروع بهذا الاسم أو المعنى.

وعليه، فإنّ عبارة “إسرائيل الجديدة” في أوكرانيا هي استعارة سياسية وإعلامية ترمز إلى دولة عالية التسلح، دائمة الجاهزية، ذات شراكة أمنية خاصة مع الغرب، واقتصاد يقوم على التكنولوجيا والعسكرة، لكنها ليست مشروعاً دينياً أو بديلاً لإسرائيل في أوروبا.

ومع ذلك، تثير الفكرة قلقاً روسياً مشروعاً، لأنّها تعني بالنسبة لموسكو ظهور دولة عسكرية على حدودها، بدعمٍ أميركي–أوروبي طويل الأمد.

ويحمل التشبيه بين أوكرانيا و”إسرائيل كبيرة” قيمة تحليلية، إذ يشير إلى رغبة كييف في بناء دولة ذات قدرات أمنية عالية وجاذبية استثمارية، لكنه لا يعكس واقعاً فعلياً أو خطة واضحة، فالفوارق العميقة في البنية الأمنية والاقتصادية تجعل تطبيق هذا النموذج محدوداً.

ويرى المراقبون أنّ الأطراف الغربية والمستثمرين والحكومة الأوكرانية يتجهون نحو تحوّل كبير، ليس بالضرورة نحو “إسرائيل كبيرة”، لكن نحو دولة أمنية أكثر قوة واستقراراً واقتصادٍ أكثر انفتاحاً.

ومن المنظور الروسي، ما يجري في أوكرانيا يستحق المتابعة الدقيقة، لأنّ النموذج الذي تُبنى عليه الدولة الأوكرانية بعد الحرب سيُحدّد مستقبل شرق أوروبا، وسيكون له تأثير استراتيجي بالغ.