تتعمّق الأزمة السياسية في الولايات المتحدة مع دخول الإغلاق الحكومي أسبوعه الثاني، وسط انقسام حاد بين البيت الأبيض والكونغرس، وصراع مفتوح بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، في وقتٍ يعيش فيه الأميركيون حالة قلق متزايدة حيال تأثير الأزمة على حياتهم اليومية واقتصادهم الوطني.

فبينما تتواصل تبادلات الاتهامات حول الجهة المسؤولة عن “الشلل الفيدرالي”، تغيب أي مؤشرات على تسوية قريبة تُعيد عمل مؤسسات الدولة وتُنعش الثقة بالنظام السياسي الأميركي.

ووفقاً لتقرير صادر عن وكالة بلومبيرغ، فإن أسواق المال الأميركية بدأت تسعّر احتمالات استمرار الإغلاق لفترة تتراوح بين 10 و29 يوماً، بنسبة تتجاوز 60 بالمئة، فيما تقلّ احتمالات انتهائه خلال أسبوع عن 20 بالمئة فقط، ما يعكس تشاؤماً واسعاً لدى المستثمرين بشأن قرب الحل.

وتُظهر خيارات العقود الآجلة للخزانة الأميركية وجود “علاوة مخاطر” كبيرة مرتبطة بالتواريخ التي كانت مخصصة لإصدار بيانات اقتصادية مهمة، مثل تقرير الوظائف الشهري ومؤشر أسعار المستهلك، وكلاهما تأجّل بسبب تعطّل عمل الإدارات الفيدرالية.

ويقول جو يرق، رئيس قسم الأسواق العالمية في شركة Cedra Markets، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن الإغلاق الحالي يبدو مرشحاً لأن يكون “طويلاً ومعقداً”، مضيفاً أن “كل خطوة سياسية يتخذها الرئيس دونالد ترامب تأتي مصحوبة بتأثيرات مباشرة وسلبية على الأسواق المالية”.

وأوضح يرق أن “الأسواق حالياً تتحرك مدفوعة بضعف الدولار وتراجع عوائد السندات، وهو ما يمنح ترامب مساحة للمناورة في المفاوضات مع الديمقراطيين”، لكنه حذّر من أن استمرار الأزمة سيؤدي إلى تآكل الثقة بالاقتصاد الأميركي ويُهدد بتراجع التصنيف الائتماني للدولة.

وفي سياق متصل، أشارت صحيفة نيويورك تايمز إلى أن الجمود السياسي في واشنطن يعكس أزمة ثقة حقيقية في النظام السياسي الأميركي، موضحة أن الحزبيْن يبدوان مقتنعين تماماً بأن كلاً منهما يمتلك اليد العليا، ما جعل الإغلاق يبدو حتمياً منذ البداية، وجعل أي حل سريع “أمراً مستبعداً”.

وأضاف التقرير أن “الكونغرس فشل في تمرير أي مشروع لتمويل الحكومة”، وأن زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ جون ثيون أنهى جلسة الثلاثاء الماضي قبل العشاء بعد فشل تصويتين متتاليين، في مشهد يعكس غياب أي شعور بالعجلة أو المسؤولية تجاه الأزمة.

من جهته، يؤكد الخبير الاقتصادي محمد سعيد أن “جوهر الأزمة يكمن في فشل الكونغرس في الاتفاق على ميزانية موحدة لتمويل الحكومة”، موضحاً أن الخلافات “تتجاوز الأرقام لتصل إلى عمق السياسات العامة، من الإنفاق الاجتماعي إلى برامج الرعاية الصحية والمساعدات الخارجية”.

وأشار سعيد إلى أن نحو 800 ألف موظف فيدرالي تم تعليق عملهم دون أجر، فيما يواصل 700 ألف آخرون أداء مهامهم في القطاعات الحيوية من دون رواتب.

وأضاف أن استمرار الإغلاق سيؤثر في الخدمات الأساسية مثل أمن المطارات والرعاية الصحية للمسنين والفقراء، في حين أن مؤسسات كبرى مثل معاهد الصحة الوطنية ومراكز السيطرة على الأمراض أوقفت أنشطتها فعلياً، مما يُهدد بفراغ إداري واسع.

ويختم سعيد قائلاً: “قد يكون الحل المؤقت عبر اتفاق تمويل قصير الأمد هو السيناريو الأكثر ترجيحاً، لكنه لن يُنهي الأزمة جذرياً، لأن الخلافات بين الحزبين أعمق من مجرد أرقام في الموازنة”.