
مع اقتراب الذكرى الأولى لاغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في 27 أيلول، تترقب الأوساط السياسية والإعلامية خطابا مهما للأمين العام الشيخ نعيم قاسم، الذي يتوقع أن يرسم فيه ملامح المرحلة المقبلة للحزب، في الداخل كما في الإقليم.
وتفيد المعطيات الأولية بأن الشيخ قاسم لن يعتمد نبرة تهدئة، بل سيوجه خطابا تحشيديا وتصعيديا، يركز على النقاط الآتية: التأكيد على أن الحزب أعاد ترتيب صفوفه الداخلية واستعاد قدراته العسكرية رغم الخسائر التي أصابته. طمأنة جمهوره بأن الحزب استعاد زمام المبادرة، وأن المقـ.ـاومة لا تزال تشكل الضمانة الوحيدة لحماية لبنان في مواجهة التهديدات الإسرائيلية. التشديد على أن التزام وقف النار لا يعني تخلي الحزب عن خيار المواجهة، وأن المسؤولية في ردع الاعتداءات الإسرائيلية تقع على عاتق الحكومة اللبنانية. رفض أي نقاش مسبق في ملف السلاح، قبل إنجاز المهام السيادية التي يعتبرها الحزب شرطا لا بد منه وهي تحرير الأرض، استعادة الأسرى، وقف العـ.ـدوان، والانطلاق في عملية إعادة الإعمار.وينتظر أن يحمل خطاب الشيخ قاسم رسائل إلى الداخل حيث سيعيد التأكيد بأن المقـ.ـاومة وسلاحها هما الشرعية والمشروعية لحماية لبنان، لكن هذا الطرح يتوقع أن يزيد من حدة الانقسام السياسي، إذ ترى قوى لبنانية واسعة أن استمرار السلاح خارج مؤسسات الدولة هو العامل الأساس في شلل الدولة وانهيارها وأن استمرار هذا المسار يضع البلد كله في مواجهة مفتوحة مع الخارج، في ظل عجز داخلي عن إيجاد حلول سياسية واقتصادية، وبهذا المعنى، فإن أي دعوة إلى استراتيجية دفاعية وطنية تبدو أقرب إلى ورقة سياسية يستخدمها الحزب لحماية موقعه، بدل أن تكون مشروعا جامعا لتوحيد اللبنانيين حول رؤية مشتركة للأمن والسيادة.خلف الخطاب المتوقع تلوح معادلات أكثر تعقيدًا. فواشنطن وتل أبيب تبدوان في لحظة توافق على استراتيجية جديدة حيال حـ.ـزب الله، لا تقتصر على مطلب نزع السلاح، بل تتجه نحو محاصرته سياسيا وماليا وإنهاك مؤسساته الاجتماعية والاقتصادية التي تشكل عماد بيئته الشعبية. وهذا التحول النوعي يجعل الحزب في مواجهة مباشرة مع تحد وجودي، إذ يدرك أن أي تراجع في ملف السلاح أو تفكك بنيته الداخلية قد يعني نهايته كقوة عسكرية سياسية في لبنان والمنطقة. لذلك، فإن خطاب قاسم ينتظر أن يكون ردا على هذه الاستراتيجية، بالإصرار على أن المقـ.ـاومة باقية وأن محاولات الخنق لن تدفعه إلى التراجع.وتؤكد أوساط قريبة من “الثنائي الشيعي” أن المساعي التي يبذلها رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون لتقليص فجوة الخلاف عبر طرح صيغة تضبط النقاش في إطار وطني جامع، لم تنجح بعد في تجاوز العقبة الجوهرية، إذ لا يزال التباعد قائمًا، خصوصا بين حـ.ـزب الله ورئيس الحكومة الذي يقف عند مقاربة مغايرة تماما.وتلفت هذه الأوساط إلى أن جلسة الخامس من أيلول أظهرت قدرة على تذليل بعض العوائق الشكلية وإنتاج انطباع إيجابي محدود، لكنها لم تلامس جوهر الإشكالية المرتبطة بحصرية السلاح ودور الدولة في هذا الملف، ما يجعل الخطر الحقيقي كامناً في استمرار المراوحة على مستوى المضمون. وإذا كانت العلاقة بين الرئيس نبيه بري والرئيس عون تبدو متينة وتترجم بتفاهمات ملموسة، فإن رئيس الحكومة لا يزال خارجها، الأمر الذي يضاعف تعقيد المشهد ويجعل أي تسوية شاملة أكثر صعوبة في المدى المنظور.