
“ليبانون ديبايت”
لطالما شكلت فاتورة الكتب في المدارس الخاصة، عبئا لا يُستهان به على كاهل الأهل مع مطلع كل عام دراسي، سواء قبل الإنهيار المالي أو بعده. لكنها تزداد وطأتها عاما بعد عام، في ظل الحديث عن زيادة على الأقساط وبالدولار ووسط الأوضاع المعيشية المتردية في لبنان. وما يزيد المشهد قتامة هو تحوّل فاتورة الكتب المدرسية إلى أداة للتربّح لدى العديد من المدارس الخاصة، إذ تعمد الكثير منها إلى إستيراد الكتب من الخارج (مستفيدة إما من إعفاء جمركي أو تخفيضات من الرسوم على إعتبار أنها للإستخدام العام)، وتبيعها داخل حرم المدرسة للأهالي بأسعار تضاهي الأسعار في المكتبات العادية، علما أن القانون 515 الصادر عام 1996، يمنع على المدارس بيع الكتب والقرطاسية في مكتباتها، كون وزارة الاقتصاد لا يمكنها الدخول إلى حرمها ومُراقبة الأسعار إلا بإذن من وزارة التربية.
للتذكير أغلبية الكتب في المدارس الخاصة أجنبية المصدر، وأسعارها مرتفعة مقارنة من الكتاب الصادر عن المركز التربوي والمُعتمد في كل المدارس الرسمية، وهو ما يزيد من الأعباء المالية على عاتق الأهل. مع الإشارة الى أن كتاب التربية الوطنية الصادر عن المركز، هو الوحيد الذي تلتزم به المدارس كلها في القطاعين الرسمي والخاص. أما الكتب في القطاع الخاص فإن إدارات المدارس هي التي تختارها، وتطلب من دور النشر تأمينها في المكتبات أو بيعها مباشرة للأهالي.
الكلفة بالأرقام
بلغة الأرقام تُعتبر فاتورة الكتب في الصفوف الثانوية هي الأغلى، وقد لا تقل عن 500 دولارا للطالب الواحد وتنخفض كلفتها في المراحل الدراسية الأُخرى، و تتراوح بين 200 دولار للمرحلة الابتدائية و بين 300 و 400 دولار للمرحلة المتوسطة إذا كان الاعتماد على الدور النشر الاجنبية فقط.
قبل ذلك، كان الأهالي يبحثون عن الكتب المستعملة لتخفيف عنهم الى حد ما عبء فاتورة الكتاب، وفي السنوات الأخيرة نمت ظاهرة جديدة قوامها إعتماد المدارس الخاصة طبعات جديدة للكتاب نفسه، وغالباً ما يحصل ذلك مع مطلع كل عام دراسي، وأكثر ما ينطبق على الكتب الأجنبية، ومن دون أن يكون قد طرأ أي إضافات على مضمون الكتاب، والتغييرات حصلت في الشكل فقط. هذه الظاهرة التي تنسحب على الأكثرية الساحقة من المدارس، وتؤدي فعلياً الى حرمان الأهل من التوفير باللجوء الى الكتاب المستعمل، الذي يكون مصيره التلف.
صحيح أن سعر الكتب الجديدة يكون موازيا في الغالب للطبعة القديمة، لكن هذه “التجارة” ستحرم الأهل من الإستفادة من الكتاب المستعمل مرة إضافية، خصوصا بين الأخوة.
أبو حيدر: على الأهالي التدقيق في فواتير الكتب الأجنبية
يشرح مدير عام وزارة الإقتصاد الدكتور محمد أبو حيدر ل”ليبانون ديبايت”، أن “هناك دوريات تقوم بها مصلحة حماية المستهلك لمراقبة أسعار الكتب الصادرة عن المركز التربوي، لأن المركز يودع نسخة من أسعاره لدى وزارة الإقتصاد لتتمكن من القيام بدورها، وفي هذا الشق لم نسجل مخالفات كثيرة”، لافتا إلى أن “الكتب الأجنبية التي يتم إعتمادها في المدارس الخاصة، فيتم إستيرادها من الخارج وبفواتير واضحة وبالعملة الصعبة عند دخولها الى لبنان، والسؤال هو هل يدقّق الأهالي عند الشراء بأن الكتب التي تُباع لهم بأسعار مقبولة أم أن هناك زيادات؟ هذا هو التحدي”.
ويختم: “في ما يتعلق بالقرطاسية، فجولات مديرية حماية المستهلك التابعة للوزارة، على كل المكتبات للتأكد من عدالة الأسعار وهوامش الأرباح، وحين يحصل تجاوزات يتم تسطير مخالفات بحق المخالفين وإحالتها إلى القضاء المختص، على أمل أن يتم تعديل الغرامات التي تُفرض على المخالفين قريبا من قبل مجلس النواب، كي تشكل رادعا إضافيا للتجار الذين لا يلتزمون بالقوانين”.
طويل:المدارس تحوّلت الى مؤسسات تجارية وخزينة الدولة لا تستفيد منها
تؤكد رئيسة تجمع لجان الأهل لما طويل ل”ليبانون ديبايت”، أن “عبء الكتب هذا العام على أهالي الطلاب كبير، لأن هناك مدارس كثيرة تطلب شراء كتب ( النسخة الجديدة) 2025، في حين أن المحتوى لم يتغير لأن المناهج المدرسية لم تتغير، السبب أن المدارس ترتب صفقات مع دور النشر وتحصل على حسم إذا تم بيع كتبها داخل المدارس، وفي الوقت نفسه تبيع الادارة الكتب للأهالي، بالأسعار الموجودة في المكتبات ومن دون حسم وبذلك تحقق أرباحا كبيرة، لأنه قانونا لا يحق لوزارة الإقتصاد الرقابة على المدارس إلا بإذن من وزارة التربية”.
تضيف:”كتب المناهج الأجنبية مثل البكالوريا الفرنسية أسعارها خيالية، والمدارس تستورد هذه الكتب على حسابها الخاص، علما أنها مُعفاة من الضرائب ولكن تبيعها للأهالي بأسعار مرتفعة، ولا تقدير من إدارات المدارس للضغوط التي يتحملها الأهل. علما أن كلفة طالب المرحلة الإبتدائية نحو 200 دولار والمتوسطة نحو 300 دولار وكُتب المناهج الأجنبية تصل الى 500 دولار”، موضحة أن “لجان الأهالي في المدارس لا يحق لهم التدخل في موضوع الكتب كونه موضوع أكاديمي، وما طالبنا فيه هو منع بيع الكتب في المدارس لأن لا سلطة رقابية لوزارة الاقتصاد عليها”.
وتختم:”تحولت المدارس الى مؤسسات تجارية، من دون أن تستفيد خزينة الدولة منها، لأنهم معفيين من الضرائب بينما وزارة الاقتصاد يمكنها ممارسة الرقابة كشف على المكتبات فقط”.
فريحة: التجارة تحصل حتى لكتب المركز التربوي!
يشرح الرئيس السابق للمركز التربوي الدكتور نمر فريحة ( الرئيس الحالي لمدرسة الكفاءات): ل”ليبانون ديبايت” أن “محاولات التجارة بالكتب المدرسية تحصل حتى لكتب المركز التربوي. ففي العام 2002 أقدمت رئيسة المركز آنذاك، على سحب كل الكتب الصادرة عن المركز وتلفها( رغم أن كلفة التلف تم دفعها من ميزانية المركز)، وإصدار طبعات جديدة مكانها بنفس المضمون مع تغيير الغلاف ومقدمة الكتب التي باتت بإسمها، وتم طبع نسخات جديدة بكلفة وصلت إلى عشرات آلاف الدولارات، وإستفادت منها دور النشر بالتأكيد وعلى حساب جيوب الأهالي في المدارس الرسمية، ولم يحصل أي محاسبة لهذا التصرف، سوى أن وزارة التربية عمدت إلى إيقاف تلف جزء صغير من هذه الكتب وإعادتها إلى المكتبات، بضغوط من الإعلام حينها”.
يضيف:”التسعير لكتب المركز التربوي يتم من خلال لجنة التسعير، التي تقدر كلفة الطباعة للكتاب(عدد الصفحات والصور والألوان والكمية)، بالإضافة إلى زيادة نسبة 17 بالمئة كأرباح للمركز التربوي، ومثيله للمطبعة أو دار النشر ويتم إنزال الكتب إلى المكتبات، أما في المدارس الخاصة هناك مدارس شبه المجانية وتعتمد كتب المركز التربوي، والمدارس خاصة تعتمد جزء من كتب المركز وجزء تطلبه من دور نشر خاصة، ومدارس خاصة أخرى تعتمد كتب من دور نشر أجنبية بالكامل مع إضافة كتاب التربية الوطنية لأنه إلزامي”.