الخلاصة التي يمكن أن يستنتجها أي مراقب من الجلسة الحكومية امس الخامس من أيلول هي أنها تشبه جلسة الخامس من آب من حيث الأهداف البعيدة لتكريس مبدأ السيادة الوطنية. الفرق بين الجلستين مسافة زمنية تفاعلت فيها القرارات الحكومية بين الحفاظ على الاستقرار الداخلي من جهة، وبين التجاوب مع المجتمع الدولي، وبالأخصّ الأميركي، في ما له علاقة ببسط سلطة الدولة على كامل التراب اللبناني. وبين السيادة الكاملة والإصلاحات السياسية والمالية والاقتصادية والإدارية خيط رفيع. فمن دون سيادة كاملة المواصفات تبقى الإصلاحات حبرًا على ورق، وبالتالي يبقى الفساد معشعشًا في كل زاوية من زوايا ومفاصل الحياة السياسية وفي الإدارات العامة.

صحيح أن أهل السلطة في لبنان أدرى بشعابه. لكن المعرفة وحدها لا تكفي في حال كحال لبنان المنقسم على نفسه والآيل إلى الخراب إذا بقي اللبنانيون غير متفقين على أولويات الإنقاذ. وبين نظرية وأخرى تضيع المعاني. فالوطن بالنسبة إلى مؤيدي قرار حصر السلاح في أيدي القوى الشرعية غير ذاك الوطن، الذي تراه الفئة الرافضة تسليم سلاحها إلى الدولة. وبين هذه وتلك لا قواسم مشتركة.
وبين حرص السلطة على السلم الأهلي وبين التجاوب مع الرغبة الخارجية في رؤية لبنان محرّرًا من أي عامل قد يعيق مسيرته الإصلاحية وازدهاره تبقى أفكار اللبنانيين مشتتة. فلا أحد يريد أن يصطدم الجيش مع أي مكّون من المكونات اللبنانية. ولكن في الوقت ذاته لا أحد من هؤلاء اللبنانيين يريد أن يعادي المجتمع الدولي باستثناء تلك الفئة، التي ترفض تسليم سلاحها بحجة أن لبنان سيصبح من دون هذا السلاح مكشوفًا أمام الاعتداءات الإسرائيلية. وتعتقد هذه الفئة أن حكومة العـ.ـدو لن توقف اعتداءاتها على لبنان حتى ولو استطاعت الدولة أن تبسط سيادتها على كامل الأراضي اللبنانية بقواها الشرعية الذاتية.
وما يراه البعض في أي قرار للحكومة حرصًا على السلم الأهلي يراه الخارج عجزًا. وما يراه الخارج إقدامًا يعتبره بعض الداخل تآمرًا. وبين كل هذه النظريات يبقى الوضع الداخلي على هشاشته، وتبقى الساحة اللبنانية مفتوحة على كل الاحتمالات، ومن بينها قد يكون إقدام واشنطن على رفع يدها من لبنان وإعطائها لإسرائيل الضوء الأخضر لمعاودة اعتداءاتها الواسعة والمفتوحة، التي كانت سائدة قبل 27 تشرين الثاني من العام الماضي.
الوضع في لبنان، كما تصفه أوساط ديبلوماسية، مقلق وخطير. ومن بين أسباب هذا القلق عدم تفهّم الخارج للخصوصية اللبنانية، ولحساسية هذه الخصوصية في التوازنات الداخلية القائمة على التعددية الطائفية والمذهبية من ضمن التركيبة المعقدّة، والتي يصعب على الخارج فهم ما فيها من تمايز.
وفي المحصلة النهائية، وحسمًا لأي جدل لن يوصل إلى النتيجة المتوخاة، بعدما وضعت الحكومة أصبعها على الجرح النازف في جلسة 5 آب الماضي. وهذه النتيجة على “حـ.ـزب الله” أن يتفهمّها انطلاقًا من مبدأ استحالة المساكنة بين منطقين: منطق الدولة صاحبة القرار النهائي في مسألة الحرب والسلم، وهي بالتالي لن تقبل بأن يشاركها أحد في هذا القرار، وفي غيره من القرارات، التي لها علاقة بحصرية السلاح، أي ببسط سلطتها على كامل الأراضي اللبنانية.
أمّا المنطق الثاني فهو تمثّل بمغادرة الوزراء الشيعة من الجلسة أولًا، ومن القصر الجمهوري في خطوة لاحقة، ووضع الوزير فادي مكي استقالته في تصرّف رئيسي الجمهورية، مما يعني أن “حـ.ـزب الله” وحركة “أمل” مستمرّان في رفض الدخول في أي نقاش خارج سياق ما سبق أن أعلنه الرئيس نبيه بري عن استعدادهما لمناقشة الموضوع من زاوية أخرى، وهي محصورة في حوار “هادى” حول استراتيجية الأمن الوطني.
وبين هذين المنطقين اللذين لن يلتقيا على أي قاسم مشترك يسير أهل السلطة بين النقاط في ما اتخذته الحكومة من قرار بالنسبة إلى آلية تنفيذ خطّة الجيش.
فالقرار الحكومي المتخذ بكل ما في جوانبه المستقبلية من هوامش تفصيلية يؤسّس لمرحلة جديدة من شأنها أن تعزّز سلطة الدولة تجاه نفسها وتجاه جميع المواطنين، بمن فيهم بيئة “الثنائي الشيعي”، وتجاه المجتمع الدولي، الذي يراقب وينتظر ما ستؤول إليه الأمور على الساحة اللبنانية بما فيها من تعقيدات.