لو عاد موفد رئيس الجمهورية جوزاف عون إلى “حارة حريك” بإيجابيات، ولو بالقطارة، لما كان ملزمًا أن يلجأ إلى “عين التينة”. وهذا اللجوء ليس الأول، ولن يكون بالتأكيد الأخير، خصوصًا أن الرئيس نبيه بري، بما كسبه من خبرة عمرها أكثر من 35 سنة من العمل السياسي ومن موقع المتقدّم في المسؤولية، يعرف كيف يمسك بطرف الخيط، ومتى يشدّه ومتى يرخيه.

ولكن هذه المرّة هي غير المرّات السابقة، إذ أن رئيس مجلس النواب مصرّ على أن تعود الحكومة عن قرارها، أو بالأحرى أن تُدخل عليه ما طالبها به منذ اليوم الأول لصدور هذا القرار. وهذه المطالب تتعلق حصرًا بمهل تنفيذ خطة حصر السلاح بيد القوى الشرعية، على الأقل إلى ما بعد الانتخابات النيابية في ربيع العام المقبل.
وما سمعه موفد الرئيس عون في “عين التينة” وفي “حارة حريك” هو نوع من “النصيحة علها تفيد” قبل أن تضع قيادة الجيش اللمسات الأخيرة على الخطة المكلفة وضعها وتقديمها قبل نهاية هذا الشهر إلى الحكومة. فالنصيحة “كانت بجمل”. هذا ما استنتجه العميد المتقاعد اندريه رحال من الرئيس بري ومن النائب محمد رعد. وهذا ما كان الرئيس نجيب ميقاتي قد أشار إليه في آخر موقف له، فقال “إن بسط سلطة الدولة على كل اراضيها وحصرية السلاح في يد الجيش والقوى الامنية هما امران بديهيان لا خلاف عليهما ويشكلان الترجمة الفعلية لسيادة الدولة وقرارها الحر، لكن التجارب اللبنانية، وبعضها لم يمر عليها وقت طويل، علمتنا أن اسلوب الحكمة والحنكة يوصل الى الحل ويمنع زيادة الشرخ وتعميق الخلافات”.
وأضاف ميقاتي : “ما قرره مجلس الوزراء من خطوات اساسية هو امر طبيعي، وكان من الافضل ان تسبقه الاتصالات اللازمة حتى لا تشعر اي فئة لبنانية بالاستهداف او العزل. وما نعرفه عن معاودة فتح خطوط الحوار لمعالجة التداعيات وضمان تنفيذ القرارات الحكومية يثبت ان التروي والحكمة في القضايا الوطنية سيد الاحكام”.
وعليه، فإن المواقف المعلنة قبل تقديم الجيش خطته المنتظرة لخصّت المشهدية السياسية على الساحة اللبنانية. فـ “حـ.ـزب الله” رسم لنفسه خطًّا بيانيًا لما هو آتٍ، وهو يعتبر أن خطاب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم هو الحدّ الأقصى، الذي يمكن القبول به كشرط مسبق لما يمكن التوصل إليه لإيجاد الآلية المناسبة لتنفيذ قرار مجلس الوزراء، حتى ولو جاء ما في هذا الخطاب ما يدعو إلى القلق من “حرب كربلائية إذا لزم الأمر”. وهذا الكلام تأخذه المراجع المحلية على محمل الجد، خصوصًا أن لدى الأجهزة الأمنية والمخابراتية أكثر من تقرير يؤكد أن “الحزب” جدّي في اتخاذ أي اجراء لضمان عدم تسليم سلاحه من دون الأخذ في الاعتبار ما لديه من هواجس.
واستنادًا إلى ما خلصت إليه زيارة المسؤول الإيراني علي لاريجاني لبيروت يمكن للمراقب من بعيد أن يضع ما تزمع عليه الحكومة اتخاذه من خطوات إجرائية من تاريخ تسّلمها خطة الجيش حتى نهاية العام الجاري في خانة “الخطوات الحذرة”، وذلك بعدما تأكد لها أن مع كل خطوة قد تقدم عليها ستجد في طريقها ألف مطبّ ومطّب.
المخرج لما يمكن أن ينتج عن أي “دعسة” ناقصة، في رأي هؤلاء المراقبين، يكون بتأجيل تقديم قيادة الجيش خطّتها أقله ما يقارب الأسبوعين في انتظار إيجاد أرضية مشتركة يمكن الارتكاز عليها من دون إدخال البلاد في ما يُخشى الوصول إليه، وبالأخص أن رئيس الجمهورية والحكومة مجتمعة، يحرصان على إرسال أكثر من إشارة إلى “حـ.ـزب الله” تطمئنه بأنهما لن يسمحا بالفتنة الداخلية وحريصان على العلاقة معه، لكن المشكلة تكمن بالثقة المفقودة بين “الحزب” ورئيس الحكومة. وهي ثقة من الصعب ترميمها بين ليلة وضحاها، إذ أن المواقف المتناقضة لكلا الطرفين تباعد بينهما إلى درجة استحالة الجمع بينهما في القريب العاجل، إلاّ إذا كان لتدّخل الرئيس بري فعل السحر في زمن قلّت فيه الاعاجيب.
بالمختصر المفيد فإن جميع الأطراف المعنيين بخطّة حصر السلاح بيد القوى الشرعية مأزومون، وهم يفتشّون عن مخرج لا يموت فيه الذئب (بين مزدوجين)، ولا يفنى فيه الغنم (بين مزدوجين أيضًا).