
في ظل الضغوط الدولية المتزايدة، والتطورات الميدانية على الساحة اللبنانية، يبدو أن حزب الله يواجه أحد أصعب التحديات في تاريخه. فبين خسائر بشرية جسيمة، وتراجع في الجاهزية العسكرية، وتضييق مالي، تتصاعد الدعوات الدولية والمحلية لتسليم سلاحه للدولة اللبنانية، وسط انقسام داخلي حاد بشأن كيفية التعامل مع هذه المسألة الحساسة.
مبادرة أميركية وضغوط متزايدة
تأتي هذه التطورات في وقت يعمل فيه الجانب اللبناني على إعداد رد رسمي موحد على المبادرة الأميركية التي قدّمها المبعوث توم باراك، والتي تنص على أن يتخلى حزب الله عن سلاحه بشكل كامل في جميع المناطق اللبنانية، وذلك قبل تشرين الثاني 2025، مقابل انسحاب إسرائيلي من النقاط الحدودية الخمسة ووقف شامل للعمليات العسكرية.
خسائر بشرية وميدانية غير مسبوقة
رغم تأكيدات قيادة الحزب، وخاصة الشيخ نعيم قاسم، حول إعادة هيكلة الصفوف وملء الشواغر، تشير المعطيات إلى أن الحزب يعاني من نزيف حاد في عدد مقاتليه. فبحسب مصادر مطلعة نقلتها “العربية/الحدث.نت”، فقد الحزب نحو 10 آلاف مقاتل نتيجة “حرب الإسناد” الأخيرة، ولم يبقَ في الخدمة سوى حوالي 60 ألفًا من أصل 100 ألف مقاتل كان قد أعلن عنهم الأمين العام السابق حسن نصرالله عام 2021.
وتشير الأرقام إلى سقوط أكثر من 4 آلاف قتيل من صفوف الحزب، بالإضافة إلى 3 آلاف جريح. كما سُجّل خروج حوالي 2000 عنصر من الحزب بقرار فردي بعد مقتل نصرالله، ورفضهم العودة للقتال.
تفكك البنية العسكرية وتدهور الموارد
الضربات الإسرائيلية المتواصلة أدّت إلى تدمير غالبية مراكز التدريب التابعة للحزب في الجنوب والبقاع، بعد أن أصبحت مكشوفة للطائرات المسيّرة. وأُجبر الحزب على تقليص نشاطاته العسكرية بشكل كبير، خاصة بعد فقدان السيطرة على أجزاء واسعة من جنوب الليطاني، التي أصبحت اليوم تحت سلطة الجيش اللبناني بنسبة 80%، مع مصادرة أو تدمير معظم السلاح المتوسط والثقيل.
أزمة مالية خانقة
لا تقتصر خسائر الحزب على الجانب البشري والعسكري فقط، بل تمتد لتشمل الجانب المالي. فقد أدت القيود المشددة على المعابر الحدودية إلى تراجع عمليات التهريب التي كان الحزب يعتمد عليها كمصدر رئيسي للتمويل، ما أدّى إلى تقليص النفقات وتجميد العديد من المشاريع والخطط الداخلية.
انقسام داخلي حول تسليم السلاح
في هذا السياق، يُتوقّع أن يُطرح ملف سلاح حزب الله على طاولة الحكومة اللبنانية قريبًا. وقد تقدم رئيس الجمهورية، العماد جوزيف عون، بمقترح يهدف إلى استيعاب عناصر الحزب ضمن الجيش اللبناني، لكن دون إنشاء وحدة مستقلة، بل بإلحاق العناصر الراغبة عبر دورات تدريبية واستيعابية مشابهة لما حدث في التسعينيات مع عناصر من ميليشيات أخرى.
لكن هذا الاقتراح يواجه انتقادات حادة من أطراف سياسية مثل “القوات اللبنانية”، حيث أكد النائب فادي كرم أن “استنساخ تجربة الحشد الشعبي غير وارد”، وأنه لا يمكن لعناصر الحزب الانضمام إلى الجيش إلا وفقًا لشروط التجنيد العادية، دون امتيازات أو استثناءات.
معضلة الدمج العسكري والطائفي
الخبير العسكري والعميد المتقاعد منير شحادة، اعتبر أن دمج عناصر حزب الله داخل المؤسسة العسكرية أمر صعب، نظرًا لشروط التوازن الطائفي الدقيقة داخل الجيش اللبناني، بالإضافة إلى المتطلبات الطبية والبدنية الصارمة، والتي قد لا تتناسب مع عناصر الحزب الذين تمرسوا في بيئة عسكرية غير نظامية.
الاستراتيجية الدفاعية: مقترح بديل؟
وسط هذه التعقيدات، تبرز دعوات لمناقشة استراتيجية دفاعية شاملة، تضمن استيعاب سلاح الحزب ضمن مظلة الدولة اللبنانية، واستخدامه فقط في حال تعرض البلاد لاعتداء خارجي. غير أن تطبيق مثل هذا الطرح يحتاج إلى توافق سياسي داخلي ودولي يصعب تحقيقه في المرحلة الحالية.
مستقبل غامض وسط تجاذبات سياسية
يبقى مصير سلاح حزب الله، وموقعه في المعادلة السياسية والعسكرية اللبنانية، من أبرز التحديات التي تنتظر الحل. فالملف محاط بتجاذبات إقليمية ودولية، في حين يواجه الحزب ضغوطاً غير مسبوقة على مختلف الأصعدة. وبينما تتصاعد التهديدات الإسرائيلية ويحتدم النقاش المحلي، يظل الموقف الداخلي هشًا، والدولة اللبنانية أمام اختبار مصيري في الأشهر القليلة المقبلة.