الدولار الأميركي يلامس أدنى مستوياته

الدولار الأميركي يلامس أدنى مستوياته

في تحول لافت في أسواق العملات العالمية، شهد الدولار الأميركي تراجعًا حادًا، ليقترب من أدنى مستوياته أمام اليورو منذ عام 2021، وسط مخاوف متزايدة من التداعيات المالية لمشروع قانون الضرائب الجديد الذي أعلنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب. يأتي هذا التراجع في ظل حالة من الضبابية بشأن المفاوضات التجارية الأميركية مع شركائها الدوليين، مما أدى إلى فقدان الثقة تدريجياً بالعملة الأميركية ودفع المستثمرين للبحث عن ملاذات بديلة أكثر أمانًا.

العملة الأميركية تتراجع رغم استمرار القوة الاقتصادية النسبية

يُعد الدولار الأميركي من أهم العملات العالمية وأكثرها تداولًا، حيث يُستخدم كعملة احتياط رئيسية في البنوك المركزية، ويُعتبر معيارًا لتسعير معظم السلع الاستراتيجية مثل النفط والذهب. ومع ذلك، فإن التطورات السياسية والمالية داخل الولايات المتحدة، لا سيما المتعلقة بالسياسات الضريبية والمالية العامة، تؤثر بشكل مباشر على قيمة الدولار في الأسواق الدولية.

ففي أحدث تطور، أظهرت بيانات السوق يوم الثلاثاء أن الدولار يواصل انخفاضه أمام سلة من العملات، ليصل مؤشره إلى 96.612 نقطة، وهو أدنى مستوى له منذ فبراير 2022. كما سجل اليورو ارتفاعًا ملحوظًا مقابل الدولار عند مستوى 1.1808 دولار، وهو الأعلى منذ نحو أربع سنوات.

قانون ترامب للضرائب يثير القلق

أثار مشروع قانون الضرائب والإنفاق الذي دفع به الرئيس ترامب حالة من الجدل داخل الولايات المتحدة، حيث انقسمت الآراء بين مؤيدين يرون فيه وسيلة لتحفيز النمو، ومعارضين يحذرون من عواقبه على الدين العام.

وبحسب تقارير اقتصادية، فإن القانون الجديد قد يؤدي إلى زيادة الدين الأميركي بنحو 3.3 تريليون دولار خلال السنوات القادمة، وهو ما دفع الأسواق إلى رد فعل سلبي، عبر تراجع الثقة في العملة الأميركية، وزيادة الطلب على عملات أخرى مثل اليورو، الين الياباني، والجنيه الإسترليني.

الانقسام السياسي يعمّق الأزمة

اللافت أن القانون الجديد لم يمرّ بسلاسة داخل مجلس الشيوخ الأميركي، إذ واجه اعتراضات حادة من جانب الديمقراطيين وحتى بعض الجمهوريين، الذين اعتبروا أن المشروع قد يقوّض الاستقرار المالي طويل الأمد للولايات المتحدة.

وقد انعكست هذه الانقسامات السياسية على أداء الدولار، إذ تخوّف المستثمرون من تعثر تمرير القانون، أو حدوث تعديلات تؤثر على الميزانية العامة للدولة.

البيانات الاقتصادية تُزيد الضغوط

إلى جانب التداعيات السياسية، يترقب المستثمرون سلسلة من البيانات الاقتصادية الهامة هذا الأسبوع، على رأسها تقرير الوظائف في القطاعات غير الزراعية في الولايات المتحدة، المقرر صدوره يوم الخميس.

وتشير التوقعات إلى أن الاقتصاد الأميركي أضاف 110 آلاف وظيفة جديدة فقط في يونيو 2025، مقارنة بـ139 ألف وظيفة في مايو، ما يمثل تباطؤًا في سوق العمل، وقد يدفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) إلى خفض أسعار الفائدة بوتيرة أسرع من المتوقع.

توقعات بتيسير السياسة النقدية

بحسب تقرير من بنك “جولدمان ساكس”، من المتوقع أن يجري الاحتياطي الفيدرالي ثلاث تخفيضات في أسعار الفائدة هذا العام، بمقدار ربع نقطة مئوية في كل مرة، مقارنة بتوقعات سابقة بخفض واحد فقط في ديسمبر. هذه التوقعات زادت من الضغط على الدولار، الذي يتأثر مباشرة بأي خفض في الفائدة، نظرًا لتراجع جاذبيته مقارنة بالعملات الأخرى ذات العوائد الأعلى.

ردود فعل من ترامب: هجوم على الاحتياطي الفيدرالي

من جهته، لم يُخفِ الرئيس ترامب استياءه من سياسة جيروم باول، رئيس البنك المركزي الأميركي، حيث أرسل إليه مذكرة تحتوي على مقارنات بين أسعار الفائدة العالمية، مشيرًا إلى ضرورة أن تكون الفائدة الأميركية مشابهة لتلك الموجودة في اليابان (0.5%) أو الدنمارك (1.75%).

هذا الهجوم العلني على استقلالية مجلس الاحتياطي الفيدرالي أثار موجة قلق في أوساط المستثمرين، الذين يخشون من تدخل سياسي مباشر في السياسات النقدية، ما قد يؤثر على مصداقية الولايات المتحدة المالية أمام العالم.

الذهب والعملات الأخرى تستفيد من ضعف الدولار

في ظل هذه التطورات، شهدت الأسواق تحولات واضحة، أبرزها:

  • ارتفاع سعر الذهب، الذي يُعتبر ملاذًا آمنًا وقت الاضطرابات، مستفيدًا من ضعف الدولار وترقب المستثمرين لقرارات البنك المركزي الأميركي.
  • استقرار الجنيه الإسترليني عند مستوى 1.3739 دولار، وهو قريب من أعلى مستوياته في أكثر من 3 سنوات.
  • صعود الين الياباني إلى 143.77 للدولار، محققًا مكاسب بنسبة 9% في النصف الأول من العام، وهي أقوى وتيرة صعود منذ عام 2016.

التوترات التجارية تعمّق أزمة الدولار

تُضاف إلى ذلك الضبابية بشأن المفاوضات التجارية الأميركية، لا سيما المتعلقة بالرسوم الجمركية مع شركاء مثل الاتحاد الأوروبي والصين والمكسيك. ووفقًا لمصادر مطّلعة، فإن المحادثات ما زالت معقدة ومليئة بالعقبات، ما يدفع المستثمرين للقلق من غياب اتفاقيات حاسمة تُعيد التوازن إلى التجارة العالمية.

ومع اقتراب الموعد النهائي لتعليق الرسوم الجمركية في التاسع من يوليو، تتزايد حالة الترقب في الأسواق، وسط غياب مؤشرات قوية على توصل الولايات المتحدة إلى تسويات مع شركائها التجاريين.

هل دخل الدولار مرحلة الهبوط الهيكلي؟

انخفاض الدولار بأكثر من 10% في النصف الأول من عام 2025 يثير تساؤلات حول ما إذا كان هذا التراجع ظرفيًا أم بداية مرحلة من الانخفاض الهيكلي في قيمة العملة الأميركية. وتُرجّح بعض التحليلات أن الدولار يواجه ضغوطًا متزايدة قد تستمر لفترة طويلة، ما لم تعُد السياسات المالية والنقدية الأميركية إلى الاستقرار، ويتم ضبط مستويات الدين والعجز.

الدولار الأميركي يلامس أدنى مستوياته: الأسواق تنتظر الحسم

في ظل هذه المعطيات، يترقب المستثمرون بقلق الخطوات المقبلة لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، إلى جانب نتائج المفاوضات التجارية، ومآل قانون الضرائب المقترح من ترامب. وتبقى كل الأنظار موجهة نحو منتدى البنك المركزي الأوروبي المنعقد في البرتغال، حيث من المتوقع أن يُدلي جيروم باول بتصريحات قد تحمل إشارات حاسمة بشأن مستقبل السياسة النقدية الأميركية.

في النهاية، يمثل وضع الدولار الراهن مؤشراً حساساً على صحة الاقتصاد الأميركي وثقة المستثمرين العالميين. وأي قرار سياسي أو اقتصادي خاطئ قد يؤدي إلى استمرار الانخفاض، وربما إلى إعادة رسم خريطة العملات العالمية في المستقبل القريب.

لبنان اليوم