اوروبا نحو التخلص من اللاجئين السوريين !!

اوروبا نحو التخلص من اللاجئين السوريين !!

عادت قضية ترحيل اللاجئين السوريين من الدول الأوروبية إلى الواجهة من جديد، في ظلّ تحركات متسارعة تقوم بها حكومات عدة لإعادة النظر في أوضاعهم القانونية. وتأتي هذه التطورات بعد فشل وزارة الداخلية النمساوية في تنفيذ أول عملية ترحيل إلى سوريا منذ سنوات، رغم الجهود الحثيثة لاستئناف هذه الإجراءات منذ تغير المشهد السياسي في دمشق.

النمسا تقود الحملة… وقيود السفر تعرقل التنفيذ

أعلنت وزارة الداخلية النمساوية أن الشخص المعني بالترحيل لا يزال قيد الاحتجاز، وأن ترحيله سيتم “بمجرد توفر الإمكانيات”. إلا أن غياب الرحلات الجوية المباشرة إلى سوريا نتيجة إغلاق الأجواء في الشرق الأوسط حال دون تنفيذ القرار. ورغم ذلك، فإن النوايا واضحة: النمسا عازمة على المضي قدماً في عمليات الترحيل.

أوروبا تُجمّد طلبات اللجوء السوري

منذ مطلع عام 2025، واجه السوريون في أوروبا واقعاً جديداً، إذ أوقفت أكثر من 12 دولة أوروبية، من بينها ألمانيا وبلجيكا والنمسا، دراسة طلبات اللجوء الجديدة المقدمة من مواطنين سوريين. وترافق هذا التجميد مع موجة متزايدة من الدعوات السياسية لإعادة السوريين إلى بلادهم، خصوصاً مع تصاعد نبرة الخطاب اليميني المناهض للهجرة في أوروبا.

وفي خطوة لافتة، عرضت الحكومة النمساوية مكافأة مالية قدرها 1000 يورو لكل لاجئ سوري يوافق طوعاً على العودة إلى بلاده، ما أثار جدلاً واسعاً في الأوساط الحقوقية.

ألمانيا تراجع ملفات آلاف السوريين

وفي ألمانيا، فتحت السلطات أكثر من 2000 ملف لجوء، تضم لاجئين سوريين، بهدف مراجعة قانونية إقاماتهم، خصوصاً بعدما تبيّن أن بعضهم سافر إلى سوريا مؤخراً. ورغم وجود استثناءات قانونية – مثل السفر لحضور جنازة أو رعاية قريب مريض – فإن السلطات الألمانية باتت أكثر تشدداً، ما يهدد بفقدان الآلاف لوضعهم القانوني.

بريطانيا توقف المقابلات وتُجمّد القرارات

في بريطانيا، أوقفت وزارة الداخلية منذ بداية العام جميع المقابلات المتعلقة بطلبات لجوء السوريين، بما في ذلك طلبات الإقامة الدائمة. وبررت الوزارة هذه الخطوة بضرورة “إعادة تقييم الوضع الأمني في سوريا”، مما أدى إلى تعطيل آلاف الملفات، وسط حالة من الغموض وعدم اليقين.

الظروف في سوريا لا تزال غير مؤهلة للعودة

ورغم هذه التحركات الأوروبية، تشير التقارير إلى أن الأوضاع داخل سوريا لا تزال بعيدة كل البعد عن الاستقرار. فالبلاد ما زالت بحاجة إلى أكثر من 400 مليار دولار لإعادة الإعمار، في وقت يعيش فيه أكثر من 90% من السكان تحت خط الفقر، وتُعاني المدن الكبرى من أزمات سكن خانقة وارتفاع جنوني في الإيجارات، حيث بلغ إيجار المنزل في دمشق أكثر من 400 دولار، بينما لا يتعدى متوسط الراتب الشهري 140 دولاراً.

وتبقى الأوضاع الأمنية من أكبر العوائق أمام العودة، في ظل استمرار الملاحقات الأمنية، ووجود جماعات متطرفة خارجة عن سيطرة الدولة، وتكرار التفجيرات الإرهابية، مثل تفجير كنيسة مار إلياس في الدويلعة بدمشق، والذي أسفر عن عشرات الضحايا.

منظمات حقوقية تحذر من الاستغلال السياسي

في المقابل، عبّرت منظمات حقوقية عن قلقها الشديد من استغلال بعض الحكومات الأوروبية لأزمة اللاجئين السوريين في سياق الحملات السياسية الداخلية، خاصة مع صعود الأحزاب اليمينية. وأشارت منظمة العفو الدولية إلى أن بعض الدول “تُغرق اللاجئين في أوضاع قانونية مبهمة وغير آمنة”.

كما حذرت منظمة “منسقية اللجوء” من أن الظروف داخل سوريا لا تضمن عودة آمنة وكريمة، مشيرة إلى أن بعض اللاجئين قد يواجهون الاعتقال أو التعذيب بمجرد وصولهم إلى بلادهم.

ترحيل فعلي بدأ رغم الاعتراضات

ورغم الأصوات الحقوقية المعارضة، تؤكد بيانات “يوروستات” أنه تم بالفعل ترحيل العشرات إلى سوريا من دول أوروبية مثل رومانيا والمجر خلال الأشهر الأخيرة، في إشارة واضحة إلى بدء تنفيذ السياسات الجديدة على الأرض.

بين الضغوط السياسية والواقع السوري المرير

وفي وقت يُظهر فيه الاتحاد الأوروبي حذراً ظاهرياً في التعامل مع النظام السوري الجديد، عبر تخفيف محدود للعقوبات، يبقى الواقع أن الأولوية أصبحت لـ”حل ملف اللاجئين” أكثر من تحقيق إصلاحات سياسية حقيقية. هذا التناقض يعكس – بحسب مراقبين – تراجع الالتزام الأوروبي بمبادئ حقوق الإنسان لصالح الحسابات الانتخابية والسياسية.

وفي المقابل، تبدو السلطات السورية في موقف يُرغمها على تقديم تنازلات دون ضمانات حقيقية لعودة آمنة للسوريين، ما يجعل مسألة العودة محفوفة بالمخاطر على المستويين الأمني والمعيشي.

الخلاصة: أزمة إنسانية تتطلب حلولاً عادلة

في ظل هذا المشهد المعقد، تدعو المنظمات الدولية إلى اعتماد مقاربة عادلة ومتوازنة، تضمن احترام حق اللاجئ في اختيار البقاء أو العودة، وتوفر له الحماية الكاملة بغض النظر عن التوجهات السياسية للدول المضيفة.

وكما قال أحد اللاجئين السوريين المقيمين في برلين:

“أنا اليوم أعيش بأمان هنا، تعلمت اللغة، أعمل، وأدفع الضرائب… لماذا يجب أن أعود إلى المجهول؟”

بينما عبّر آخر عن حلمه بالعودة قائلاً:

“أريد العودة والمشاركة في بناء سوريا… لكن فقط عندما تكون الظروف مناسبة.”

ويبقى السؤال معلقًا: هل الأولوية للحل الإنساني أم للمكاسب السياسية؟

لبنان اليوم