الفراغ الدبلوماسي بين بيروت ودمشق

الفراغ الدبلوماسي بين بيروت ودمشق : تجاهل متعمّد أم انتظار مشروط؟

الفراغ الدبلوماسي بين بيروت ودمشق ، منذ أن شهدت سوريا تحوّلًا سياسيًا جذريًا بسقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول الماضي وصعود الإدارة الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع،

تسود حالة من الجمود في العلاقات اللبنانية – السورية، وتحديدًا من جهة دمشق.

فستة أشهر مرّت من دون أن تسجّل زيارة واحدة لمسؤول سوري إلى بيروت،

رغم تعدد الزيارات اللبنانية الرسمية وغير الرسمية إلى العاصمة السورية،

في مشهد يطرح علامات استفهام كثيرة حول طبيعة هذا التجاهل السوري وما إذا كان مقصودًا.

غيابٌ سوري مقابل حضور لبناني مكثّف

في الوقت الذي تسابق فيه وزير الخارجية السوري أسعد شيباني وعدد من الوزراء السوريين إلى العواصم الإقليمية والغربية،

ظلت بيروت غائبة عن هذا المسار، رغم قربها الجغرافي وأهمية الملفات المشتركة بين البلدين.

بالمقابل، تهافتت الوفود اللبنانية على دمشق، بدءًا من رئيس الحكومة الحالي نواف سلام والسابق نجيب ميقاتي،

مرورًا بوزراء ومسؤولين أمنيين وحزبيين.

ولعلّ ما يزيد من حدة الاستغراب هو أن غياب المسؤولين السوريين عن بيروت لم يُعوَّض حتى من خلال لقاءات دورية أو زيارات بروتوكولية،

باستثناء لقاءات محدودة جمعت الرئيسين جوزاف عون وأحمد الشرع في القاهرة،

ولقاء آخر بين وزيري الدفاع في جدة بوساطة سعودية، من دون أن تترجم هذه الخطوات بانفتاح سوري مباشر على لبنان.

ملف النازحين: جوهر الأزمة وسبب الفراغ الدبلوماسي بين بيروت ودمشق ؟

أحد أبرز الملفات العالقة بين البلدين يبقى ملف النازحين السوريين، والذي يُنظر إليه كأحد أهم محاور العلاقة الثنائية.

فالشارع اللبناني، ومعه الحكومة، كان يأمل أن يؤدي التغيير السياسي في سوريا إلى مقاربة جديدة لهذا الملف، خصوصًا بعد رفع العقوبات الأوروبية والدعم العربي المتصاعد لدمشق.

ومع انتفاء العذر السياسي الذي كان يحول سابقًا دون عودة النازحين،

والمتعلق بعدم ضمان النظام السابق للعودة الآمنة، كان المنتظر أن تبادر دمشق إلى إعادة ترتيب الأولويات،

وفي مقدمتها التنسيق مع لبنان لإعادة مئات آلاف النازحين.

لكن المعلومات تشير إلى أن الإدارة السورية الجديدة تعطي الأولوية حاليًا للنازحين الموجودين داخل سوريا،

فيما ملف العائدين من لبنان لا يزال مؤجلاً، ما يعكس تحفظًا غير معلن وربما عدم رغبة في مقاربة الملف بالسرعة التي يتوقعها لبنان.

رفع العقوبات والمساعدات الدولية، تغييرات لم تُستثمر بعد

التبدّل في الموقف الأوروبي من سوريا بعد رفع العقوبات،

أعطى مؤشراً على تبدّل جذري في التعامل الدولي مع الملف السوري،

كما أسهم في دعم فرص العودة الآمنة للنازحين.

إلا أن هذا التطور لم يُترجم بخطوات عملية من قبل دمشق تجاه بيروت،

ما يُبقي السؤال معلقًا: هل تتعامل سوريا مع لبنان كملف مؤجل بانتظار ترتيب أولوياتها الداخلية والخارجية؟

أم أن هنالك شروطًا غير معلنة لم تُلبَّ بعد من الجانب اللبناني؟

في هذا السياق، يُسجل للرئيس اللبناني جوزاف عون موقفه الواضح أمام وفد أميركي،

حين شدّد على أن “تحسين الاقتصاد السوري شرط أساسي لعودة النازحين”،

داعيًا الأمم المتحدة إلى توجيه المساعدات نحو الداخل السوري بدلاً من الاستمرار بدعم النازحين في لبنان.

مخاوف لبنانية من تحوّل النازحين إلى لاجئين اقتصاديين

المعطيات تشير إلى أن تصنيف النازحين في لبنان بدأ يتغيّر تدريجياً،

من لاجئين سياسيين إلى لاجئين اقتصاديين، خصوصًا بعد زوال الأسباب السياسية التي حالت دون عودتهم،

وهو ما تلمّح إليه بعض الجهات الدولية. لكن المفارقة أن المجتمع الدولي، رغم هذا التبدّل،

لا يزال يُماطل في الاستجابة للمطلب اللبناني بتوجيه الدعم للنازحين داخل سوريا،

وهو ما يطرح علامات استفهام حول دور مفوضية اللاجئين (UNHCR) وجدّية المجتمع الدولي في معالجة الملف جذريًا.

خطة حكومية لعودة 400 ألف نازح بانتظار الضوء الأخضر من دمشق

في هذا الإطار، تفيد المعلومات أن الحكومة اللبنانية وضعت خطة لعودة نحو 400 ألف نازح على دفعات،

معتمدةً على تنسيق أمني وسياسي مع الجانب السوري، ولكن لا يمكن تطبيق الخطة من دون موافقة دمشق،

التي لا تزال تماطل في إعطاء الضوء الأخضر، بحجة “التركيز على الداخل السوري أولاً”، وفق ما تنقله مصادر متابعة.

هذا التأخير يُلقي بثقله على الوضع اللبناني الداخلي، حيث تفاقمت الأزمات الاقتصادية والخدماتية نتيجة ضغط النزوح، خصوصًا في مجالات الصحة والتعليم والبنية التحتية،

فضلاً عن تصاعد التوترات الاجتماعية بين اللبنانيين والنازحين في بعض المناطق.

هل تكون قمة الشرع – عون مدخلًا لإعادة ترميم العلاقات؟

أمام هذا الواقع، يبدو أن الحل يمرّ عبر قمة سياسية على أعلى المستويات، قد تجمع الرئيسين أحمد الشرع وجوزاف عون، من أجل إعادة فتح قنوات التنسيق ومعالجة الملفات العالقة. فلبنان لم يعد يحتمل المزيد من التأجيل، خصوصًا مع اشتداد الأزمة الاقتصادية، وتراجع المساعدات الدولية، وتصاعد الضغط الشعبي.

وربما تكون هذه القمة، إذا حصلت، مدخلًا لإعادة إحياء الاتفاقيات الثنائية، والتفاهم على آليات عودة النازحين، إلى جانب ملفات أخرى تتعلق بالتنسيق الأمني والاقتصادي وإعادة الإعمار، والتي يمكن أن تشكل فرصة للبنان للاستفادة من المشاريع الاستثمارية المقبلة في سوريا.

الفراغ الدبلوماسي بين بيروت ودمشققطيعة باردة ومفتاح الحل في دمشق

ما بين قطيعة دبلوماسية غير معلنة وسلوك سوري حذر، يتأرجح الملف اللبناني – السوري على حافة الانتظار. فدمشق، رغم انفتاحها على العالم، لا تزال تقفل الباب أمام بيروت، ما يوحي بأن العلاقة بين البلدين بحاجة إلى إعادة ضبط إيقاعها، خصوصًا أن التأخير في معالجة الملفات الثنائية سيزيد من أعباء لبنان، ويُفقد سوريا حليفًا طبيعيًا على حدودها.

وبالتالي، فإن السؤال المطروح اليوم لم يعد لماذا تقاطع دمشق بيروت فقط، بل إلى متى ستستمر هذه المقاطعة، وما الثمن السياسي المطلوب لفتح قنوات التواصل من جديد؟

لبنان اليوم