لبنان وقطار التغيير في الشرق الاوسط !!
مايو 14, 2025
لبنان وقطار التغيير في الشرق الاوسط !!
لبنان وقطار التغيير في الشرق الاوسط – مع تسارع وتيرة المتغيّرات السياسية والجيواستراتيجية في الشرق الأوسط، يعود السؤال مجددًا إلى الواجهة: هل أصبح لبنان جاهزًا لمواكبة هذا التغيير، أم أنه ما زال عالقًا في أزماته الداخلية التي تعرقل أي فرصة حقيقية للنهوض؟ في ظل تحولات إقليمية ودولية كبرى، يبدو أن الاستعداد اللبناني لا يزال محاطًا بالتردد والتوجس.
زيارة ترامب وملف السلام
تزامنًا مع الاهتمام المحلي بالانتخابات البلدية والاختيارية، لا يغيب عن أذهان اللبنانيين ما تشهده المنطقة من تطورات متسارعة، خاصة في ضوء زيارة الرئيس الأميركي آنذاك، دونالد ترامب، إلى الشرق الأوسط، والتي شملت السعودية، الإمارات وقطر. هذه الزيارة، التي حملت عنوان “السلام”، ترافقت مع خطاب سياسي كثيف حول رؤية أميركية جديدة للمنطقة، تُبنى على أسس اقتصادية وأمنية وسياسية مختلفة تمامًا عما ساد منذ الحرب العالمية الثانية.
لكن السلام الذي تنشده الولايات المتحدة قد لا يتطابق مع طموحات شعوب المنطقة، خاصة الفلسطينيين الذين لا يزالون يطالبون بدولة مستقلة ذات سيادة كاملة. فالسلام الحقيقي يبدأ بالاعتراف بالحقوق المشروعة للشعوب، بعيدًا عن المقايضات السياسية والانحيازات التي عطلت أي مسار حقيقي لتسوية عادلة وشاملة.
وصاية خارجية أم استقلال القرار؟ لبنان وقطار التغيير في الشرق الاوسط
أحد أبرز شروط أي تغيير حقيقي في لبنان يكمن في قدرته على التخلص من تأثيرات الوصايات الخارجية التي كبّلته لعقود. الاستقلال في القرار السياسي شرط أساسي لبناء دولة عادلة ومستقرة، قادرة على تحييد نفسها عن صراعات المحاور في المنطقة. لكن الواقع يُظهر أن لبنان لا يزال ساحة لتقاطع مصالح دولية وإقليمية، ما يجعل خروجه من دائرة التجاذب مشروطًا بمتغيرات خارجية قد لا تكون في متناول يده.
وإذا كانت المنطقة تتجه نحو رؤية جديدة للسلام، فإن على لبنان أن يكون في موقع المتلقي والفاعل، لا الضحية. المطلوب هو تحصين الداخل اللبناني سياسيًا واقتصاديًا، وتحقيق حد أدنى من الاستقرار المؤسساتي، يسمح له بالتفاوض من موقع قوة وليس من موقع هشاشة وانقسام.
الدور الإسرائيلي ومشروع “الشرق الأوسط الجديد”
لا يمكن الحديث عن مستقبل لبنان بمعزل عن المخططات الإسرائيلية التي لا تزال تسعى إلى فرض واقع جديد في المنطقة.
رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو تحدّث مرارًا عن مشروع “الشرق الأوسط الجديد”، الذي يهدف إلى إعادة رسم خرائط النفوذ والهيمنة، بما يخدم المصالح الإسرائيلية أولاً.
ويُجمع المراقبون على أن تل أبيب لا تزال تعتمد سياسة التوسع والضربات الاستباقية،
سواء في غزة أو الضفة الغربية أو حتى في العمق السوري واللبناني.
وفي ظل استمرار هذا النهج العدواني، تبدو فكرة “السلام” المروج لها غير واقعية، ما لم تترافق مع ضمانات حقيقية تلزم إسرائيل باحترام حقوق الشعوب.
لبنان، في هذا السياق، يجب أن يبقى متيقظًا لأي مشروع قد يمس بسيادته أو يُعيد إنتاج معادلات إقليمية على حسابه.
إيران، أميركا، والتفاهمات الكبرى: لبنان وقطار التغيير في الشرق الاوسط ؟
لا يُمكن إغفال الدور الإيراني في المعادلات الإقليمية، خاصة في ظل تعثر المفاوضات غير المباشرة بين واشنطن وطهران حول الملف النووي. إيران تسعى، بطبيعة الحال،
لأن تكون جزءًا من أي تسوية شاملة في المنطقة، وتطرح نفسها كقوة إقليمية لا يمكن تجاوزها.
لبنان، بحكم علاقته التاريخية مع إيران من خلال “حزب الله”،
يجد نفسه طرفًا غير مباشر في هذا النزاع الأميركي – الإيراني، ما يفرض عليه توازنًا دقيقًا بين الحفاظ على علاقاته مع المحيط العربي، وعدم التفريط بالواقع الداخلي الذي تأثر كثيرًا بهذه العلاقة.
وفي حال تم التوصل إلى تفاهم أميركي – إيراني، فقد يحمل ذلك انفراجًا نسبيًا للبنان،
بشرط أن يُترجم بتسويات داخلية جدية تُعيد ترتيب السلطة وبناء المؤسسات على أسس واضحة وشفافة.
رؤية 2030: الشرق الأوسط من منظور سعودي
لا يمكن إغفال تأثير المملكة العربية السعودية في رسم ملامح المرحلة المقبلة.
“رؤية 2030” التي أطلقها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان،
تسعى إلى خلق شرق أوسط جديد قائم على الاستقرار والنمو والانفتاح الاقتصادي. لبنان مدعو لأن يكون جزءًا من هذا المشروع، لا أن يبقى في عزلة سياسية أو اقتصادية.
لكن الانخراط في مثل هذا المشروع يتطلب إرادة سياسية موحدة، وإصلاحات جذرية تبدأ من القضاء والتعليم والاقتصاد، ولا تنتهي بتشكيل حكومة فاعلة وشفافة.
هل بدأ مسار التعافي فعليًا؟
على الصعيد المحلي، شكّل انتخاب قائد الجيش السابق، العماد جوزاف عون، رئيسًا للجمهورية،
بعد فراغ رئاسي دام أكثر من عامين، إشارة إيجابية إلى أن قطار الدولة بدأ يتحرك من جديد.
هذا الحدث يعكس رغبة داخلية وخارجية بإنهاء الشلل السياسي، وفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الإصلاح والتعافي.
إلا أن التحديات لا تزال كثيرة. فلبنان بحاجة إلى خطة اقتصادية واضحة،
وبرنامج إصلاحي يعالج مشكلات الدين العام، انهيار العملة، وتهالك البنى التحتية.
كما أن الحاجة ماسّة إلى إعادة بناء ثقة المواطن اللبناني بالدولة ومؤسساتها، وهي الثقة التي تآكلت بفعل الفساد والمحاصصة السياسية.
هل لبنان جاهز فعلاً للتغيير؟
السؤال الجوهري الذي يُطرح اليوم: هل لبنان مستعد فعلاً لركوب قطار التغيير الإقليمي والدولي؟
الإجابة لا تزال معلقة بين الأمل والخوف، بين الرغبة في التغيير والواقع المتأزم.
لبنان يمتلك من الطاقات البشرية والموارد ما يؤهله ليكون جزءًا فاعلًا في أي مشروع نهضوي في المنطقة.
لكن هذا يتطلب قرارًا وطنيًا جامعًا، يتجاوز الحسابات الضيقة، ويضع مصلحة الوطن فوق أي اعتبار آخر.
في ظل التحولات الكبرى التي يشهدها الشرق الأوسط،
يقف لبنان عند مفترق طرق حاسم. فإما أن يستثمر الفرصة ليكون شريكًا في مستقبل جديد للمنطقة،
أو أن يبقى متأخرًا، غارقًا في أزماته البنيوية والسياسية.
إنّ قطار التغيير لا ينتظر أحدًا، ومن يريد اللحاق به، عليه أن يُعدّ نفسه جيدًا. فهل يفعلها لبنان؟