انخفاض أسعار الذهب مع انحسار التوترات الجيوسياسية والتجارية، إلى أين تتجه السوق؟
مايو 13, 2025
انخفاض أسعار الذهب
الذهب يفقد بريقه مؤقتًا مع تحسن العلاقات التجارية ومؤشرات الاستقرار السياسي
شهدت أسواق الذهب العالمية تراجعًا لافتًا خلال تداولات الإثنين 12 أيار 2025، متأثرةً بتراجع المخاوف الجيوسياسية وتقدّم المفاوضات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، ما قلّص الطلب على المعدن الثمين كملاذ آمن. فقد انخفض سعر الذهب بنسبة وصلت إلى 1.8% خلال التعاملات الآسيوية المبكرة، ليستقر قرب مستوى 3,265 دولارًا للأونصة، بعد أن كان قد سجّل مكاسب أسبوعية بنسبة 2.6% في وقت سابق.
محادثات تجارية إيجابية بين واشنطن وبكين ادت الى انخفاض أسعار الذهب
المحفّز الأساسي وراء هذا التراجع كان الإشارات الإيجابية التي صدرت عن مفاوضات التجارة الأميركية – الصينية، والتي عُقدت في سويسرا على مدى يومين، وأعلنت خلالها كل من واشنطن وبكين عن “تقدّم كبير”، ما عزز التفاؤل بإمكانية إنهاء التوترات التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم.
ورغم عدم الإعلان عن إجراءات ملموسة حتى الآن، إلا أن الأجواء الإيجابية رفعت سعر الدولار الأميركي، ما جعل الذهب أغلى ثمناً على المشترين العالميين، وقلّص الإقبال على شرائه كأصل تحوطي.
الدولار يصعد.. و انخفاض أسعار الذهب
عادةً ما تتحرك أسعار الذهب عكسيًا مع قيمة الدولار.
فمع ارتفاع مؤشر “بلومبرغ” للدولار بنسبة 0.1%، أصبح شراء الذهب أقل جاذبية، خاصة بالنسبة للمستثمرين في الأسواق الناشئة الذين يعتمدون على عملات محلية أضعف،
مما زاد الضغوط البيعية على المعدن الأصفر.
مستويات الدعم والمقاومة: هل يصل الذهب إلى 3,100 دولار؟
يرى نيك تويديل، كبير المحللين في شركة “إيه تي غلوبال ماركتس” في سيدني، أن السوق تحتاج إلى رؤية تفاصيل ملموسة حول الاتفاق التجاري المنتظر، ليتمكن المستثمرون من تقدير مدى التراجع المحتمل.
ويضيف أن المستوى الأول الذي يجب مراقبته هو 3,100 دولار للأونصة،
محذرًا من أن أي تراجع إضافي في تدفقات الملاذ الآمن قد يدفع الذهب نحو هذا المستوى.
أما روبرت ريني، رئيس قسم أبحاث السلع والكربون في “ويستباك بنك كورب”،
فيرى أن الذهب لا يزال يتحرك داخل نطاق مستقر يتراوح بين 3,200 و3,400 دولار،
لكنه يحذر من أن أي انخفاض دون 3,200 دولار قد يكون إشارة على تغيير في الاتجاه العام، وإن كان يرى أن هذه المنطقة ستكون مدعومة بشكل جيد بفضل الطلب المركزي والمضاربي.
انسحاب تدريجي لصناديق التحوط
المستثمرون الكبار بدأوا بتحريك أوراقهم.
فبحسب بيانات “لجنة تداول العقود الآجلة للسلع”، قامت صناديق التحوط بتقليص رهاناتها الصعودية على الذهب إلى أدنى مستوياتها منذ أكثر من عام،
في إشارة إلى تراجع الثقة المؤقتة في استمرار موجة الارتفاعات التي شهدها المعدن خلال العام الحالي.
الذهب لا يزال مرتفعًا بنسبة 25% منذ بداية العام
رغم هذا التراجع الأخير، لا يزال الذهب يحتفظ بمكاسب سنوية قوية، إذ سجّل ارتفاعًا بنسبة 25% منذ بداية عام 2025، مدعومًا بعدة عوامل تضمنت:
- الطلب القوي من البنوك المركزية، وخصوصًا في الصين والهند.
- القلق من التباطؤ الاقتصادي العالمي بفعل السياسات الحمائية.
- التوترات الجيوسياسية، وخصوصًا بين روسيا وأوكرانيا، والهند وباكستان.
- التضخم العالمي، الذي عزز الطلب على الذهب كأداة للتحوّط.
وفي نيسان الماضي، سجّل الذهب مستوىً قياسيًا بلغ 3,500 دولار للأونصة، قبل أن يتراجع تدريجيًا خلال الأسابيع الأخيرة بفعل المتغيرات الدولية.
التوترات الجيوسياسية تهدأ و انخفاض أسعار الذهب .. مؤقتًا
التراجع في أسعار الذهب جاء أيضًا مع انخفاض حدة التوترات الجيوسياسية،
إذ بدا أن وقف إطلاق النار بين الهند وباكستان لا يزال صامدًا حتى يوم الأحد، ما خفّف من المخاوف من اندلاع مواجهة
عسكرية بين البلدين النوويين.
في السياق ذاته، تسعى إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى تسوية النزاع في أوكرانيا،
حيث دعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي نظيره الروسي فلاديمير بوتين إلى اجتماع مباشر خلال الأسبوع الجاري، ما رفع الآمال بإمكانية إحراز اختراق سياسي على هذا المحور أيضًا.
عوامل قد تدعم الذهب مجددًا
رغم المؤشرات الحالية على التراجع، إلا أن العديد من المحللين يحذّرون من أن السوق لا تزال هشة ومعرضة للتقلبات، وأن أي انتكاسة في المحادثات التجارية أو تجدّد في التوترات الجيوسياسية،
يمكن أن يعيد الزخم الصعودي إلى أسعار الذهب.
كما أن سياسات الفائدة في الولايات المتحدة تلعب دورًا رئيسيًا في تحديد اتجاه السوق.
فمع استمرار الضغوط التضخمية، قد يعمد الاحتياطي الفيدرالي إلى الإبقاء على معدلات الفائدة مرتفعة،
ما قد يضعف الذهب، في حين أن أي إشارة إلى خفض الفائدة ستعيد إشعال الطلب على الذهب.
هل انتهى موسم صعود الذهب؟
يبدو أن الذهب دخل مرحلة تصحيح صحية بعد ارتفاعات متتالية. فالتفاؤل بمحادثات التجارة الأميركية – الصينية، وتراجع المخاطر الجيوسياسية، أدّيا إلى انخفاض شهية المستثمرين تجاه الذهب كملاذ آمن.
ومع ذلك، لا تزال السوق تحت رقابة مشددة من قبل المستثمرين، الذين ينتظرون إشارات أوضح من البنوك المركزية والقيادات السياسية في الأيام المقبلة.
في الوقت الراهن، تبقى مستويات 3,100 إلى 3,200 دولار للأونصة مناطق دعم رئيسية يجب مراقبتها بدقة،
خصوصًا مع تقاطع المؤشرات الاقتصادية والسياسية العالمية.
فهل نشهد ارتدادًا صعوديًا قريبًا؟ أم أن الذهب بدأ رحلة تراجع قد تستمر لأشهر؟