الذهب نحو ال 6000 دولار ؟ توقعات “جي بي مورغان” تفتح الباب لمستقبل جديد
مايو 13, 2025
الذهب نحو ال 6000 دولار ؟
في وقتٍ تزداد فيه الأزمات العالمية السياسية والاقتصادية، عاد الذهب ليتصدر المشهد كملاذٍ آمن يعكس قلق المستثمرين ورغبتهم في حماية ثرواتهم من تقلبات الأسواق.
وفي هذا السياق، فاجأ بنك جي بي مورغان الأوساط الاقتصادية العالمية بتوقعات طموحة تشير إلى احتمال ارتفاع أسعار الذهب إلى 6000 دولار للأونصة خلال السنوات القليلة المقبلة،
شريطة تحقّق سيناريو محدد قد يعيد تشكيل موازين الأصول الاستثمارية في العالم.
الذهب نحو ال 6000 دولار، من أين جاءت هذه التوقعات؟
التوقع اللافت جاء على لسان ناتاشا كانيفا، كبيرة استراتيجيي السلع في البنك،
التي أوضحت في مذكرة موجهة للعملاء أن هناك تحولاً استراتيجياً محتملاً في طريقة تعامل المستثمرين المؤسسيين مع الدولار الأميركي كملاذ آمن تقليدي.
هذا التحول، بحسب كانيفا، قد يدفع جزءًا من هذه الاستثمارات إلى الذهب، ما سيخلق ضغط شراء ضخماً على المعدن النفيس.
وأضافت أن إعادة توجيه بسيطة — نحو 0.5% فقط من الأصول الأجنبية من السوق الأميركية إلى الذهب — قد تكون كافية لإحداث قفزة هائلة في الأسعار.
وتابعت: “الذهب لا يشكل حالياً سوى 4% من مزيج الأصول العالمية،
مما يعني أن أي تعديل صغير في التوزيع الاستثماري يمكن أن يحدث تأثيراً ضخماً نظراً لمحدودية المعروض العالمي”.
الأداء الحالي: صعود متسارع وثقة متزايدة
منذ بداية عام 2025، سجّل الذهب ارتفاعاً بنحو 26% حتى الآن،
مدفوعاً بجملة من العوامل العالمية أبرزها التوترات الجيوسياسية، وفرض رسوم جمركية أميركية جديدة، وتصاعد النزاعات التجارية.
هذه الأحداث رفعت من شهية المستثمرين على اقتناء الذهب كأداة تحوط في بيئة غير مستقرة.
وفي أبريل الماضي، سجّل الذهب قفزة تاريخية بتجاوزه حاجز 3500 دولار للأونصة لأول مرة في تاريخه، وهو رقم قياسي يعكس التحولات الجذرية في سلوك الأسواق.
هذا الارتفاع جاء بالتزامن مع إعلان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في 2 أبريل عن فرض رسوم جمركية شاملة، مما زاد من توتر الأجواء التجارية عالمياً وأطلق موجة جديدة من الإقبال على الذهب.
الذهب في عين العاصفة الجيوسياسية – الذهب نحو ال 6000 دولار ؟
من الملاحظ أن الذهب لم يعد يُنظر إليه فقط كأداة للتحوّط المالي، بل أصبح يمثل ملاذًا استراتيجيًا طويل الأمد في ظل التغيرات العالمية العميقة.
وفقًا لتقارير متعددة، فإن البنوك المركزية حول العالم — خصوصاً في آسيا والشرق الأوسط — زادت من احتياطاتها من الذهب بشكل ملحوظ في العامين الأخيرين،
في محاولة منها لفك الارتباط النسبي بالدولار الأميركي، وتحقيق توازن في سلالها الاحتياطية.
إضافةً إلى ذلك، فإن التوترات المتزايدة في مناطق مثل الشرق الأوسط، شرق أوروبا، وبحر الصين الجنوبي،
زادت من معدلات القلق الجيوسياسي، مما أدى إلى زيادة تدفقات رؤوس الأموال إلى الذهب والابتعاد عن الأصول الأكثر تقلباً مثل الأسهم والعملات الرقمية.
ما الذي يميز سيناريو الـ6000 دولار؟
تُجمع المؤسسات المالية على أن الوصول إلى 6000 دولار للأونصة ليس بالأمر السهل، لكنه في الوقت ذاته ليس مستحيلاً. ويتوقف ذلك، بحسب “جي بي مورغان”، على مدى تسارع التحولات الاقتصادية العالمية، مثل:
- فقدان الثقة بالدولار الأميركي كعملة احتياطية وحيدة.
- استمرار البنوك المركزية في تنويع احتياطاتها عبر ضخ استثمارات في الذهب.
- تراجع أداء الأسواق المالية التقليدية في ظل التضخم أو الركود الاقتصادي.
- تصاعد التوترات السياسية والعسكرية في مناطق حيوية حول العالم.
وبحسب ناتاشا كانيفا، فإن الأمر لا يتعلق فقط بتحركات أسعار آنية، بل بمسار طويل الأمد يقوم على تحوّلات هيكلية في الطريقة التي ينظر بها المستثمرون إلى المخاطر والاحتياطيات.
هل هناك مؤشرات تؤكد هذا التوجه؟
بلا شك، هناك إشارات واضحة على أن العالم في طور إعادة تشكيل النظام المالي العالمي. فعلى سبيل المثال،
أعلنت روسيا والصين مرارًا عن سعيهما لفك الارتباط بالدولار وتعزيز دور العملات المحلية والذهب في تعاملاتهما التجارية. كما أن عددًا من الدول بدأت بشراء الذهب بكميات غير مسبوقة خلال الأعوام الأخيرة،
كوسيلة لحماية نفسها من التوترات الجيوسياسية والعقوبات الاقتصادية.
كما أظهرت بيانات حديثة من صندوق النقد الدولي،
أن نسبة الاحتياطات الذهبية في البنوك المركزية ارتفعت إلى أعلى مستوياتها منذ 30 عامًا،
وهو ما يعكس التحول البطيء لكن الواضح نحو الذهب كأصل استراتيجي.
في لبنان والعالم العربي.. ما هي الانعكاسات المحتملة؟
في حال تحقق هذا السيناريو، فإن دولاً تعاني من تدهور في عملتها المحلية مثل لبنان قد تجد نفسها أمام فرصة ذهبية لتعزيز احتياطاتها أو حماية مدخرات مواطنيها من خلال الذهب.
فارتفاع سعر الذهب يعني أن الأفراد الذين يمتلكون الذهب اليوم — سواء كحلي أو مدخرات — سيشهدون زيادة كبيرة في قيمتها،
مما قد يمثل شبكة أمان اقتصادية وسط انعدام الثقة بالقطاع المصرفي.
كما أن الحكومات في المنطقة قد تُشجَّع على التفكير بشكل استراتيجي في كيفية إدارة احتياطاتها من الذهب،
والاستفادة من الأسعار المرتفعة في المستقبل إن تأكدت هذه التوقعات.
الذهب نحو ال 6000 دولار ؟؟
في عالم تتزايد فيه الشكوك، والأزمات، والتحولات المفاجئة،
يبدو الذهب وكأنه يعود إلى الواجهة كحارس قديم في عالم سريع التغير.
توقعات “جي بي مورغان” ببلوغ الذهب 6000 دولار للأونصة ليست مجرد أرقام عشوائية،
بل تعكس رؤية مستندة إلى بيانات وسلوكيات الأسواق والمؤسسات الكبرى.
ورغم أن الطريق لا يزال طويلاً، فإن الاتجاه العام يشير إلى أن الذهب سيبقى لاعباً رئيسياً في معادلة الاستقرار المالي العالمي،
وأن الذين يراهنون عليه اليوم قد يكونون من الرابحين الكبار غدًا.