“ليبانون ديبايت” – محمد المدني

صار واضحًا أن ضاحية بيروت الجنوبية لم تعد ضمن الخطوط الإسرائيلية الحمراء. فمنذ استهداف مبنى في منطقة الجاموس قبل أيام، وتنفيذ عملية اغتيال في منطقة الحي الأبيض أول من أمس، دخلت الضاحية الجنوبية ضمن دائرة الاستهداف الإسرائيلي، مرةً بإنذار ومرةً من دونه. لم تفلح جميع المحاولات الدبلوماسية التي يقودها رئيسا الجمهورية جوزاف عون والحكومة نواف سلام في لجم الاعتداءات الإسرائيلية، التي لم تتوقف مع توقف الحرب، بل استمرّت لتطال جميع المناطق اللبنانية بذريعة استهداف أهدافٍ عسكرية وبشرية لـ”حزب الله”.

وقد تبيّن من سياق الأهداف التي تواصل إسرائيل ضربها منذ بداية الحرب، أنها لم تعد مهتمة باغتيال قادة كبار من الحزب، كالسيد حسن نصرالله، والسيد هاشم صفي الدين، وفؤاد شكر، وإبراهيم عقيل فحسب، بل وسّعت بنك أهدافها ليشمل كوادر متوسطة في الحزب، وتهدف بذلك إلى إجهاض المهمات التي يقومون بها أكثر من استهداف مواقعهم القيادية.

ولكن بمعزل عن طبيعة الأهداف، فمن شبه المؤكد أن إسرائيل مستمرة في عدوانها على لبنان بأشكال مختلفة حتى تحقيق هدفها الأهمّ منذ 7 أكتوبر 2023، وهو إزالة كل مصادر التهديد التي تحيط بها، وهذا يشمل حُكمًا “حزب الله”، الذي رغم تعرّضه لخسائر هائلة جراء الحرب، ما زال موجودًا وقادرًا على إزعاج إسرائيل رغم اختلال ميزان القوى بشكل كبير لصالح الأخيرة. وسيستمرّ الضغط على لبنان عسكريًا واقتصاديًا، من خلال منع إعادة الإعمار، إلى حين اقتناع الحزب بالتحوّل من قوة عسكرية إلى قوة سياسية، مما يخرجه ويُخرج لبنان معه من دائرة الاستهداف الحالية المتصاعدة، دون أن يكون للحزب ولبنان قدرة على صدّها بعد فقدان معادلة توازن الردع التي كانت سارية بين لبنان وإسرائيل قبل الحرب.

تستفيد إسرائيل من دعم أميركي لامتناهٍ تضاعف مع وصول دونالد ترامب إلى الرئاسة في أميركا، ما يضعها أمام فرصة ذهبية للانتهاء من أعدائها وإرساء شرق أوسط جديد من دون محور ممانعة، ومع أنظمة جاهزة لإبرام السلام معها، وهو ما لا يستثني لبنان، إذ تسعى لدفعه نحو التطبيع الحتمي رغم رفض الحكومة والشعب. وهذا ما يبشّر بأشهر صعبة للغاية، مليئة بالاعتداءات الإسرائيلية، حتى تحقيق هذه الأهداف التي تتجاوز مسألة سلاح “حزب الله” كهدف أولي للوصول إلى التطبيع والسلام كهدف نهائي مع لبنان.