بعد “غضبة” الداخل.. نقزة في الخارج من مسيرات الاستفزاز

جاء في “الراي الكويتية”:

عَيْن على ما يشبه «إعادة الانتشار» الأقرب إلى توزيع أدوار بين ثنائي رئيس البرلمان نبيه بري و«حزب الله» في ما خص الموقف من تمديد هدنة الـ 60 يوماً، الأول معلناً أنه وافق عليه «مشروطاً» والثاني مؤكداً أنه «غير معنيّ به»، وعَيْن أخرى على «إعادة التموضع» من الرئيس المكلف تشكيل الحكومة نواف سلام خلْف ثوابته للتأليف وفق «المعايير والمبادئ التي أعلنتُها سابقاً» وعلى أن تكون التشكيلة الوزارية المرتقبة «على قدر تطلعات اللبنانيات واللبنانيين وتلبي الحاجة الملحة للإصلاح».

هكذا بدا المشهدُ في بيروت أمس التي انشدّتْ إلى جبهتين:

– استمرارُ محاولات الحزب رَسْمَ معادلاتٍ «تعويضية» بقوةِ «الحشد الشعبي» للأهالي في جنوب لبنان وتحديداً عند شريط القرى الحدودية التي تواصل إسرائيل الانسحاب من عددٍ منها – في خطوةٍ يواكبها الجيش اللبناني الذي يَدخل البلدات المحرَّرة – لتبقى في مناطق (و5 تلال) تتركّز خصوصاً في القطاعين الأوسط الشرقي وبات بقاؤها فيها مغطّى بتمديد الهدنة التي انتهى موعدها الأصلي فجر الأحد حتى 18 شباط والتي يفترض أن تشهد إكمال تَراجُع الجيش الإسرائيلي لِما وراء الخط الأزرق بعد أن تكون المؤسسة العسكرية اللبنانية أنجزتْ مهمة تفكيك البنية العسكرية لـ «حزب الله» في جنوب الليطاني ولاسيما خارج مسرح العمليات الذي «محت» تل أبيب ضمن نطاقه بلداتٍ صارت رماداً من دمار شامل فوق الأرض وحتى في جوفها المزروع بالأنفاق.

– مضيّ الرئيس نواف سلام في مساعيه لاستيلاد حكومة كُلف بتشكيلها في 13 الجاري، أي بعد 4 أيام من انتخاب العماد جوزف عون رئيساً للجمهورية، ويواكب المجتمعان العربي والدولي عن كثب ما ستكون عليه تركيبتها وتوازناتها وطريقة تأليفها:

– هل وفق قواعد المحاصصة «التناتشية» السابقة على حساب نهج الإصلاح الذي أطلّ برأسه مع إنهاء الفراغ الرئاسي وتكليف رئيس الحكومة؟

– وهل سينجح الحزب وبري في أن يحافظا من خلالها على «شِباك نظيفة» في معرض تسجيلهما كامل أهدافهما، من حصة صافية للثنائي في حقائب المكون الشيعي الخمس والاحتفاظ بوزارة المال، وعلى أن تكون الأسماء «في جَيْبهما» للإسقاط على الحقائب «كما هي»، وهو ما سيعني بكل بساطة أن الحزب يحفظ مكتسباته في السلطة التي تمكّن نفوذه، سواء كان «مكتمل القوة» داخلياً وإقليمياً (على غرار واقعه قبل «طوفان الأقصى») أو مثخناً بالجراح عسكرياً وفق نتائج حرب لبنان الثالثة وفاقداً لـ «الظهير» السوري بسقوط نظام بشار الأسد وللرافعة الإقليمية صاحبة التفوّق بأذرع عابرة للساحات تم قطع بعضها وإضعاف بعضها الآخَر.

المشهديةُ الشعبية

وفي وقت بقيتْ المشهديةُ الشعبية حاضرةً أمس في الجنوب حيث دخل الجيش اللبناني تقريباً كل بلدات القطاع الغربي، لتبقى نحو 12 بلدة (غالبيتها في القطاع الشرقي إلى جانب الأوسط) تحت الاحتلال، برزت تقارير من تل أبيب عن أن مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف سيناقش في إسرائيل اليوم اتفاقي وقف النار في غزة ولبنان.

وإذ أعلن ويتكوف عشية الزيارة «اننا تغلّبنا على عثرات بشأن تمديد الاتفاق بين لبنان وإسرائيل بالحوار الجيّد وهذا مؤشر إيجابي»، وسط توقعات بأن تزور بيروت قريباً الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس التي عينت خلفاً لآموس هوكشتاين لمتابعة اتفاق وقف النار وإطلاق مسار استعادة الأسرى اللبنانيين، فإنّ أوساطاً سياسية توقفت عند موقفين في ما خص تمديد الهدنة:

– الأول من «حزب الله» وبلسان أمينه العام الشيخ نعيم قاسم الذي رَفَض عملياً تمديد الهدنة معلناً «لا نقبل بتمديد مهلة الانسحاب الإسرائيلي ولا ليوم واحد، وهل تتوقع أميركا أن تجد في لبنان مَن يقبل بتمديد العدوان الإسرائيلي بإرادته؟ هذا لن يحصل».

«خطوة إلى الوراء»

– والثاني من بري الذي أخذ «خطوة إلى الوراء» في ما خص الموافقة على تمديد الهدنة الذي كان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أعلن موافقة لبنان الرسمي عليه «بعد التشاور» مع رئيسيْ الجمهورية والبرلمان.

وقال بري في بيان إنه اشترط حين تَشاوَرَ معه ميقاتي حول إعطاء مهلة إلى 18 شباط المقبل «وقفاً فورياً لإطلاق النار والخروق وتدمير المنازل وغيرها بالإضافة للتعهّد بموضوع الأسرى»، وذلك بعيد تكرار رئيس حكومة تصريف الأعمال عقب استقباله (الاثنين) السفيرة الأميركية ليزا جونسون ورئيس لجنة مراقبة تنفيذ وقف النار الجنرال الأميركي جاسبر جيفرز أنه «بعد التشاور مع رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب لعدم إعطاء إسرائيل أي عذر لعدم الانسحاب من كل الأراضي اللبنانية وافقتْ الحكومة على استمرار العمل بموجب تفاهم وقف النار حتى 18 شباط ولكن هذا يتطلب الضغط لوقف الاعتداءات الإسرائيلية والخروق المتكررة وتأمين الانسحاب الإسرائيلي الكامل».

وثمة مَن تعاطى مع موقفيْ بري و«حزب الله» على أنهما في إطار توزيع أدوار:

– الأول لمحاكاةِ المزاج الشعبي في «البيئة الحاضنة» الذي استشعر بنوعٍ من «ردّ الاعتبار» من خلال مجموعة ظروف أتاحت لـ «حزب الله» أن يقودَ عملية العودة الشعبية إلى قرى كانت مرشَّحة لانسحاباتٍ متدرّجة في أول مراحل الوقت الإضافي للهدنة وتالياً تظهير نوع من الانتصار بعد طول انكسارات.

– والثاني للمضيّ في استثمارِ هذا المناخ في اللعبة الداخلية ولا سيما في ملف الحكومة، وسط اقتناعٍ بأن رَفْضَ «حزب الله» للهدنة سيبقى «تسجيل موقف» ليس أكثر وأن الحزبَ ليس في وارد القيام بأي خطوةٍ عسكرية في ما خص القرى التي مُدّد احتلالها حتى 18 فبراير، وصولاً لإعلان إسرائيل بلدة يارون (محاطفة النبطية) «منطقة عسكرية مغلقة»، وذلك لأنه لا يريد ولا قدرة له على العودةِ إلى حربٍ ربما تنتظر إسرائيل فرصة إشعالها مجدداً لإنهاء ما بدأته في 65 يوماً من مطحنة الدم والدمار في لبنان.

ومن هنا فإن إبقاءَ التوترات أو التحديات ماثلة حتى 18 شباط ينطوي في جانبه الرئيسي، بحسب أوساط سياسية على محاولة ضغط على العهد الجديد والرئيس المكلّف وحتى دول الرعاية لـ «لبنان الجديد» في محاولة لـ «تعديل التوازناتِ» المختلّة ولو بأدوات من زمنٍ تحوّل، وإن كانت ربما لن تحقق الأهداف كاملةً إلا أن تشظياتها يمكنها بالتأكيد أن تسبّب نقزةً للخارج المتحفز لمرحلة «تصحيحية» على المستويين الداخلي والإستراتيجي للبنان تتيح ترجمة الاحتضان الكبير له عربياً ودولياً.

وهذا ما يفسّر وفق الأوساط تعمُّد سلام أمس، إصدار بيانٍ بدا بمثابة طمأنة، للداخل والخارج، بعد تسريباتٍ عن أن الثنائي الشيعي ضَمَنَ وزارة المال وأن يتولاها النائب السابق ياسين جابر كما أصرّ وأنه سيسمي وزراءه، وهو ما كان سيعني خلْط أوراق في معايير التأليف وانتقال «عدوى» كل «فريق يشكّل حكومته داخل الحكومة»، وتالياً تسديد ضربة قاسية للعهد الجديد والتوقعات العالية بأن يقود مرحلة الإنقاذ وطيّ الزمن الماضي، ناهيك عن الارتدادات الخارجبة لفرْض الثنائي كل شروطه.

[previous_post_link]


حمل تطبيق الهاتف المحمول

يحدث الآن