ظروف استثنائية في غزة.. واقع جديد يفرض نفسه على المنطقة
تدخل القضية الفلسطينية العام 2024 في ظروف استثنائية وغير مسبوقة منذ عقود، إذ تخيم الحرب على غزة منذ عملية طوفان الأقصى، التي نفذتها “كتائب القسام” الذراع العسكرية لحركة المقاومة الإسلامية “حماس” في السابع من تشرين الأول، على المشهد.
وبالإضافة لكونها الحرب الأوسع والأشمل، فإن تداعيات هذه المواجهة ستشكل واقعا جديدا على صعيد القضية الفلسطينية وقطاع غزة، كما ستؤثر في الواقع الإسرائيلي والمشهد السياسي الداخلي الفلسطيني، وتفرض المواجهة في غزة نفسها على البيئة الإقليمية والدولية على نطاق واسع.
وشكّل السابع من تشرين الأول تطورا نوعيا في سلوك المقاومة الفلسطينية بقطاع غزة من حيث مبادرتها بهجوم منظم وواسع شمل منطقة مستوطنات “غلاف غزة”. حيث استهدف الهجوم مواقع عسكرية وأمنية واستخبارية ومستوطنات إسرائيلية أسفرت عن إخراج “فرقة غزة” في جيش الاحتلال الإسرائيلي عن الخدمة.
الى ذلك، شكل إعلان إسرائيل الحرب تخليا عن إستراتيجيتها السابقة في التعامل مع قطاع غزة بتجنب الانخراط مع المقاومة الفلسطينية بمواجهة واسعة وشاملة تشمل اجتياحا بريا واسعا، وقد حددت أهدافا لحربها على غزة بالقضاء على حركة حماس، وتفكيك قدراتها العسكرية، واستعادة الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة.
ومع مرور قرابة ثلاثة أشهر على بدء الحرب الشاملة على قطاع غزة، وعلى الرغم من الدمار الهائل الذي ألحقته إسرائيل في القطاع وتدمير البنية التحتية فيه كليا، فإنه لا تزال المقاومة الفلسطينية تخوض اشتباكات مسلحة مع جيش الاحتلال الإسرائيلي في كافة محاور القطاع.
وحول هدف القضاء على حماس وتفكيك قدراتها، تثير مجريات المعركة الميدانية شكوكا كبيرة حول قدرة إسرائيل على تحقيق هدفها نظرا إلى طبيعة حركة حماس وعمق تجذّرها في الحالة الفلسطينية عموما، وفي قطاع غزة على وجه الخصوص. فالحركة التي تسيطر على القطاع منذ 17 عاما استطاعت أن تبني حضورا تنظيميا وسياسيا وعسكريا واجتماعيا عميقا في القطاع.
ولا تضع إسرائيل معايير واضحة لقياس تحقيق هذا الهدف، الذي يتطلب منها أن تفرض سيطرة أمنية وعسكرية طويلة الأمد في القطاع لضمان ذلك، وهو ما يشكك الخبراء والمحللون، بما في ذلك إسرائيليون، في القدرة عليه.
ويشكل اليوم التالي للحرب، أو اليوم المنتظر منذ أشهر، تحديا آخر لإسرائيل والداعمين لها في واشنطن، فالأفكار المطروحة للإجابة عن هذه المعضلة لا تلقى فرصة حقيقية للتطبيق نظرا إلى تعقيد المشهد في القطاع، وفي البيئة السياسية الفلسطينية والإسرائيلية.
وقد تجد إسرائيل نفسها تورطت في قطاع غزة ولن تجد من ينقذها، ولذلك فإن الخيار الآخر الوحيد في حال رفضت إسرائيل الانسحاب من قطاع غزة، هو بقاؤها كقوة احتلال، وهو الأمر الذي أشار رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو عدة مرات إلى أنه يفضل القيام به، على أمل ضمان عدم تمكّن حماس من إعلان النصر أو إعادة السيطرة.
فالمقاومة اليوم تستطيع أن تستخدم وسائل بسيطة لمواجهة آليات الجيش وجنوده وتحقيق خسائر فيها، وخاصة في المناطق الحضرية حيث تتمتع المقاومة بدعم شعبي واسع النطاق.
من جانبها، تطرح إدارة بايدن مقاربتها لليوم التالي للحرب عبر تقديم خيار إعادة السلطة الفلسطينية “المتجددة” لحكم القطاع. الأمر الذي يواجه تحديات صعبة في ظل الرفض الشعبي الكبير لهذه السلطة ورموزها، ورفض حكومة نتنياهو والتيار اليميني المتطرف فيها لهذا الخيار أيضا، لأن رؤيته تقوم على تصفية القضية الفلسطينية، وأي مظاهر سياسية لها، بل وتطرح خططا لضم الضفة الغربية وتهجير الفلسطينيين منها.
تمثل عودة القضية الفلسطينية للواجهة واستمرار المواجهة في فلسطين بأشكال ومستويات مختلفة واقعا جديدا في المنطقة. حيث سيفرض بيئة أمنية وسياسية جديدة، وينقل المنطقة من مسارات دمج إسرائيل في النظام السياسي والأمني والاقتصادي الإقليمي إلى بيئة هشة وقابلة للاشتعال في أي لحظة.
كما أثرت الحرب على غزة على البيئة الشعبية العربية، حيث ينظر إلى الموقف العربي الرسمي كونه عاجزا عن التصدي للعدوان الإسرائيلي، ولم يقم بالدور المطلوب في مساعدة الفلسطينيين في قطاع غزة. الأمر الذي قد ينتج عنه ردود فعل شعبية في البيئة العربية على غرار تلك التي وقعت بعد حرب العام 2008-2009.
فالمنطقة التي سعت الولايات المتحدة إلى نقلها لمرحلة الاستقرار والتعاون بين حلفائها، تدخل العام 2024 في ظروف معاكسة تماما. الأمر الذي يفتح الباب واسعا أمام تصعيد عسكري وسياسي، وربما تحولات اجتماعية جديدة.
سعر صرف الدولار في لبنان اليوم لحظة بلحظة
كلام عن هجوم حوثي على سفينة أميركية في البحر الأحمر.. ومصدر في الجماعة ينفي