واشنطن: لا تخلّي عن لبنان في الظروف الراهنة!

لبنان اليوم

– المحرر السياسي

في لبنان، تدور التكهنات حول الدوافع الكامنة وراء الخطوات التصعيدية الأخيرة التي اتخذتها واشنطن تجاه المؤسسة العسكرية. يتجنب المسؤولون تقديم تفسير قاطع، سواء كان إلغاء زيارة قائد الجيش رودولف هيكل إلى واشنطن مجرد تحذير عابر ومحدود، أم مقدمة لأزمة أكبر، سبق أن تحدث عنها “الصقور” في دوائر القرار في واشنطن، بشكل صريح في بيروت.

يمكن فهم الإنذار الأميركي في سياق الضغوط “غير المحقة” التي يمارسها “الصقور” في الإدارة الأميركية على الجيش اللبناني، كما يوضح الكاتب والمحلل السياسي في واشنطن وسام يافي. هذه الضغوط تهدف إلى حصر السلاح في شمال نهر الليطاني وفي البقاع، على الرغم من أن الجيش يعمل ضمن إمكاناته وظروفه لتنفيذ مهامه. في المقابل، لا تساعد السياسة الأميركية نفسها، من خلال الضغط على إسرائيل، لأن التصعيد الإسرائيلي يبرر بقاء سلاح “حزب الله”، وذلك “ليس لأن الجيش يرفض هذا الأمر، إنما لأنه يعجز عن إقناع الحزب بتسليم سلاحه شمال الليطاني في ظل استمرار التصعيد الإسرائيلي”.

ينقل الكاتب يافي ل عن مصادر مطلعة في واشنطن، أن الجيش يؤدي مهمته بشكل كامل في منطقة جنوب الليطاني، لكن “المشكلة اليوم هي في قراءة اتفاق وقف النار من قبل الحزب ومن قبل إسرائيل، حيث أن الحزب يعتبر أن حصر السلاح محصور بجنوب الليطاني فيما إسرائيل تريد أن تشمل العملية كل لبنان، ما يقتضي توضيح هذه المسألة”.

على الرغم من ذلك، يرى يافي أن الجيش ينفذ خطة حصر السلاح في جنوب الليطاني، لكن السياسة الأميركية تتعرض لضغط من إسرائيل، وكأن “إسرائيل تنقل مأزقها السياسي الداخلي إلى مشكلة مع لبنان”. لذلك، يجب على اللبنانيين الحذر في المرحلة المقبلة، وتبني “موقفاً موحداً من الجيش وحمايته من أي خلاف داخلي، قد يؤدي إلى انقسام اللبنانيين، لأنه إذا حصل هكذا انقسام، فلن يساعد السياسة الأميركية في المنطقة، لا في المدى القصير ولا المدى البعيد، خصوصاً وأن الإدارة الأميركية قد راهنت على الجيش اللبناني”.

وحول أسباب إلغاء لقاءات قائد الجيش، يشير يافي إلى أن ما تم الإعلان عنه لا يمثل سوى أحد الأسباب، كما ذكر السيناتور ليندسي غراهام. غياب التفسيرات العسكرية أو السياسية حول التعاون مع لبنان يشير إلى أن جزءاً من الإدارة الأميركية لا يرى مشكلة في أداء الجيش اللبناني، بينما الجزء الآخر، المكون من “الصقور”، يريد من الجيش القيام بأكثر مما يفعله في جنوب الليطاني، لكنه لا يدرك أن الجيش يبذل كل الجهود اللازمة لتنفيذ خطة حصر السلاح، وأنه لا يستطيع فرض تسليم السلاح بالقوة في كل لبنان.

ويلفت يافي إلى ما يتردد في واشنطن عن أن الحزب يعيد تسليح نفسه، معتبراً أن السؤال “لا ينحصر على هذا الأمر، إنما يجب أن يتضمن تساؤلات حول لماذا لا تفرض واشنطن التي ترعى عمل لجنة الميكانيزم، على إسرائيل أن تنسحب من الأراضي اللبنانية لكي تنزع أي ذريعة لإعادة التسليح”.

وفي هذا السياق، يتحدث يافي عن نقاشات وخلافات داخل الإدارة الأميركية، مشيراً إلى معضلة أو مأزق في القرار حول المستفيد من ترك لبنان لمصيره، لأنه قد يخدم مصالح خصوم أميركا وليس مصالحها. بالتالي، إذا كانت واشنطن تريد تحقيق مصلحتها، لأنها عادةً تقوم بما هو مصلحة إسرائيل، فإن هذه المصلحة تقتضي أن يكون لها وجود في لبنان، وهو ما سبق أن ألمح إليه ليندسي غراهام، وهو نائب من “الصقور” في الكونغرس، الذي تحدث عن تعددية لبنان.

لذلك، لا يعتقد يافي أن واشنطن قررت التخلي عن لبنان، بل يرى أن ما حدث هو “لعبة جيوسياسية قد تمهد لضربة إسرائيلية أو مجرد لعبة للضغط على لبنان”، مع العلم أن “الضغط عبر ورقة الجيش اللبناني لن يحقق أي هدف لأن الجيش في الأساس ليس متلكئاً، وهو يقوم بواجباته وفق إمكاناته، وعلى الإدارة الأميركية تقبّل هذا الأمر بطريقة أو بأخرى”.