أكد المدرب الإيطالي كارلو أنشيلوتي، الذي يُعد من أنجح المدربين في تاريخ ريال مدريد بعد تتويجه بـ15 لقبًا منها ثلاث بطولات في دوري أبطال أوروبا، أن رحيله الصيف الماضي عن النادي الإسباني متوجهًا إلى منتخب البرازيل كان قرارًا مدروسًا وشعورًا لا يُنسى، رغم صعوبة الابتعاد عن الميرنجي.
وقال أنشيلوتي في حوار مع صحيفة “آس” الإسبانية: “كنت أعلم أن هذا اليوم سيأتي يومًا ما. فكرت كثيرًا قبل اتخاذ القرار، وكان يوم الوداع مؤثرًا للغاية. تبادلنا عناقًا كبيرًا مع جماهير مدريد، وكان أفضل يوم ممكن للمغادرة. تدريب البرازيل تحدٍ كبير وحلم جميل. أنا سعيد بما أفعله الآن، لقد اتخذت القرار الصحيح.”
المدرب الإيطالي، الذي ترك وراءه إرثًا خالدًا في مدريد، استرجع أبرز لحظاته مع الفريق، مؤكدًا أن تلك السنوات كانت مذهلة ليس فقط بالألقاب، بل بالطريق نحو تحقيقها: “عشنا لحظات استثنائية. لن تُنسى ريمونتادات دوري الأبطال أمام باريس سان جيرمان وتشيلسي ومانشستر سيتي وبايرن ميونخ. ريال مدريد شيء لا يمكن تفسيره”.
ورد أنشيلوتي على من يصفونه بأنه مجرد “مدير غرفة ملابس”، قائلًا بحزم: “الناس تتحدث عن إدارتي للاعبين، لكن عملي الأساسي كان تكتيكيًا في معظم الوقت. عملنا بجهد لإدماج اللاعبين الشباب مثل فينيسيوس، رودريجو، فالفيردي وبيلينجهام. القول إنني مجرد مُدير للفريق كذبة. صحيح أنني أحرص على بيئة نظيفة وصحية، لكن جوهر عملي هو الجانب التكتيكي.”
كما علّق على فشل الموسم الأخير مع ريال مدريد، مؤكدًا أن الإصابات الدفاعية كانت السبب الرئيسي: “فقدنا الدفاع بالكامل تقريبًا، من كارفاخال إلى ميليتاو، وحتى روديجر عانى من مشاكل. اضطررنا لتجربة لاعبين في غير مراكزهم مثل فالفيردي وتشواميني. هذا أفقدنا التوازن وكلفنا ألقابًا. لم تكن المشكلة في غياب كروس أو مودريتش، لكن تعويضهما أمر شبه مستحيل”.
وأشاد أنشيلوتي بخليفته في مقعد تدريب ريال مدريد، تشابي ألونسو، الذي سبق أن دربه في بايرن ميونخ قائلا: “كنت واثقًا من نجاحه، ولا يحتاج إلى نصائحي. أشاهد كل مباريات ريال مدريد لمتابعة اللاعبين البرازيليين، وأراه يقود الفريق بشكل رائع. لكنه يجب أن يتذكر أن في مدريد، حتى التعادل قد يتحول إلى أزمة.”
وختم المدرب الأسطوري حديثه متفائلًا بمستقبل الفريق تحت قيادة ألونسو، قائلاً: “الفريق متماسك دفاعيًا وقوي هجوميًا، مبابي في حالة ممتازة ويبلينجهام عاد بقوة. أعتقد أن تشابي سيحقق النجاح دون أي شك”.
مسيرة أسطورية
كارلو أنشيلوتي، أحد أعظم المدربين في تاريخ كرة القدم، يمتلك مزيجًا من الخبرة العميقة والقدرة على قيادة النجوم، مما جعل اسمه مرادفًا للنجاح في كل الفرق التي دربها. وُلد أنشيلوتي في 10 يونيو/حزيران 1959 في مدينة ريجيو إميليا الإيطالية، وبدأ مسيرته كلاعب وسط متميز، حيث لعب لعدة أندية إيطالية كبيرة أبرزها روما وإي سي ميلان. خلال مسيرته كلاعب، تميّز كارلو أنشيلوتي بذكائه التكتيكي، وقدرته على قراءة المباريات، وتمريراته الدقيقة، وهي صفات ساعدته لاحقًا في مسيرته التدريبية.
بدأ أنشيلوتي مسيرته التدريبية في أوائل التسعينيات من القرن الماضي مع نادي ريجينا الإيطالي. وسرعان ما أظهر قدرته على قيادة الفرق، مما سمح له بالانتقال إلى أندية أكبر مثل بارما وفيورنتينا ويوفنتوس، قبل أن يتولى تدريب ميلان في عام 2001. هنا بدأت مرحلة حاسمة في مسيرته التدريبية، حيث قاد ميلان لتحقيق إنجازات أوروبية رائعة، أبرزها الفوز بلقب دوري أبطال أوروبا في عام 2003 في مباراة مثيرة ضد يوفنتوس، ولقب آخر في عام 2007، ليصبح أنشيلوتي من أبرز المدربين القادرين على تحقيق النجاح في البطولات الأوروبية الكبرى.
في عام 2009، انتقل أنشيلوتي إلى تشيلسي، ليضيف لقب الدوري الإنجليزي الممتاز وكأس الاتحاد الإنجليزي إلى قائمة إنجازاته، قبل أن ينتقل إلى باريس سان جيرمان ويحقق معه لقب الدوري الفرنسي. لم يتوقف طموحه عند هذا الحد، حيث تولى تدريب ريال مدريد في فترتين منفصلتين، ليخلد اسمه في تاريخ النادي الإسباني. خلال فترتيه مع ريال مدريد، قاد أنشيلوتي الفريق للفوز بثلاثة ألقاب في دوري أبطال أوروبا، بالإضافة إلى الفوز بألقاب الدوري الإسباني وكأس الملك والسوبر الإسباني وكأس العالم للأندية، ليصبح المدرب الأكثر تتويجًا بالألقاب في تاريخ النادي، برصيد 15 لقبًا رسميًا.
تتميز فلسفة أنشيلوتي التدريبية بالقدرة على الجمع بين المرونة التكتيكية وإدارة اللاعبين الكبار. فهو قادر على خلق الانسجام بين نجوم الفريق، مع الحفاظ على الأداء الجماعي المتميز، مما جعله مدربًا محبوبًا بين اللاعبين والإدارات على حد سواء. بالإضافة إلى ذلك، عُرف أنشيلوتي بقدرته على تعديل الخطط خلال المباراة، والاعتماد على أسلوب لعب هجومي متوازن، مما أكسبه سمعة كمدرب عصري يوازن بين التكتيك والأداء المميز للنجوم.
