أوضح جابر أن “اجتماعنا هذا ينعقد في ظرفٍ بالغ الدقة تمرّ به منطقتنا، حيث تتقاطع التحديات الأمنية والسياسية مع ضغوطٍ مالية واقتصادية متزايدة، تترافق مع مطالب اجتماعية ملحة وحاجات تنموية متجددة”. وأضاف أن لبنان، قبل أقل من عام على هذا اللقاء، كان يواجه تبعات حرب إقليمية مدمرة خلفت خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات، وزادت من هشاشة الاقتصادات والمجتمعات.
وأشار إلى أن المنطقة عانت على مدى عقود من تقلبات مزمنة وبيئات غير مستقرة، أعاقت القدرة على التخطيط الاستراتيجي طويل الأمد، ودفعت السياسات العامة إلى نمط أقرب إلى إدارة الأزمات منه إلى صناعة الرؤى. وتابع قائلاً: “فكثيرا ما كانت أولوياتنا المالية ترسم تحت ضغط الطوارئ الأمنية والتحديات الآنية، لا في ظلّ استقرارٍ يسمح بتخطيطٍ مستدام. لكن اجتماعنا اليوم في بيروت يحمل بحد ذاته رسالة أملٍ واضحة: أن منطقتنا قادرة على النهوض من الأزمات نحو عقدٍ اجتماعي جديد، يقوم على استعادة ثقة المواطن بمؤسسات الدولة وقدرتها على إدارة المال العام بعدالة وكفاءة وشفافية”.
وأكد أن “التحدي الذي يجمعنا في هذا المنتدى هو كيفية تعزيز مصداقية وفعالية السياسات المالية، بوصفها ركيزة الثقة في العمل العام”. وأضاف: “لقد أثبتت التجارب أنّ التنمية لا تُبنى إلا على إدارةٍ رشيدة للمال العام، وأنّ الموازنة ليست مجرّد أداة محاسبية لتوزيع الاعتمادات أو ضبط النفقات، بل هي مرآةٌ لأولويات المجتمع وتجسيدٌ لتطلعاته”. وأشار إلى أن “المطلوب هو تحقيق توازنٍ دقيق بين حاجات اليوم ومسؤوليات الغد — بين الاستجابة الفورية للضغوط الاجتماعية، والحفاظ على الاستقرار المالي وضمان استدامة الدين العام”. وشدد على “أهمية تحسين استهداف الإنفاق الاجتماعي، وتوجيه الموارد نحو القطاعات الإنتاجية، والاستثمار في رأس المال البشري، بوصفها ركائز أساسية لبناء اقتصادات أكثر صموداً وعدالة ونمواً”. وأكد أن “هذا التحدي ليس تقنياً فحسب، بل هو مسؤولية أخلاقية ووطنية عابرة للأجيال، لأننا نصوغ اليوم ملامح مستقبل أبنائنا. وفي لغة المالية العامة، تُختصر هذه المسؤولية بمفهوم واحد هو الاستدامة”.
ولفت إلى أن “إن الموازنة تقع في صميم العقد الاجتماعي، ولهذا بالذات تكتسب موضوعات هذا المنتدى أهميةً استثنائية”. وأعرب عن تطلعه إلى “حوار مثمر وتبادلٍ للتجارب والخبرات الناجحة بين بلداننا الشقيقة، للاستفادة من أفضل الممارسات الإقليمية والدولية في إعداد الموازنات، وإصلاح المالية العامة، وتعزيز مبادئ الشفافية والمساءلة”.
وأعرب جابر عن أمله في “أن يشكل هذا المنتدى خطوة عملية نحو ترسيخ التعاون العربي في هذا المجال الحيوي، وإرساء أسس مالية واقتصادية متينة تُسهم في بناء مستقبلٍ أكثر استقرارا وازدهارا لشعوبنا جميعا”.
وفي ختام كلمته، توجه جابر “بخالص الشكر إلى الإسكوا واليونيسف على دعمهما المتواصل لهذه المبادرة، وإلى جميع الوفود المشاركة على حضورهم والتزامهم بروح التعاون والعمل المشترك”، متمنياً لأعمال المنتدى كل النجاح والتوفيق، ولمنطقته العربية دوام الأمن والازدهار.
