“أُعدم بأمر من الأسد؟”: تحقيق يسلط الضوء على روايات متباينة بشأن مصير أوستن تايس

لبنان اليوم

كشفت مراسلتا “CNN”: كلاريسا وارد وسارة السرجاني معطيات وشهادات جديدة حول قضية اختفاء الصحافي الأميركي “أوستن تايس” في سوريا عام 2012.
من بين هذه الشهادات، إفادات تشير إلى أن مستشاراً بارزاً للرئيس السوري السابق “بشار الأسد”، وهو “بسام الحسن”، ادعى أن “الأسد” أمر بإعدام “تايس”.

يتزامن هذا التحقيق مع تحرك ميداني أميركي قاده مكتب التحقيقات الفيدرالي (“FBI”) في دمشق خلال شهر أيلول 2025.
في المقابل، تواصل عائلة “تايس” نفي خبر وفاته، وتؤكد أنه “لا يزال حيّاً”.

أفاد حارس في موقع عسكري يقع على سفح جبل قاسيون بدمشق بأن “الأميركيين مرّوا من هنا بسياراتهم المصفّحة”.
تؤكد “CNN” أن فريقاً أميركياً وصل في قافلة مدرعة إلى المنطقة في مطلع أيلول الماضي، وركز بحثه على منشآت مرتبطة بـ”المركز السوري للدراسات والبحوث العلمية”. استمرت العملية أقل من ثلاثة أيام، ثم انسحب الوفد على عَجَل بعد هجوم صاروخي إسرائيلي في 9 أيلول.

توضح “CNN” أن المعلومات التي أدت إلى التحرك الأميركي جاءت من عدة شهود، من بينهم “بسام الحسن”، المستشار السابق لـ”الأسد”، الذي يؤكد أنه كان يحتجز “تايس” بعد اعتقاله في منتصف آب 2012.
وخلال لقاء صُوِّر سِرّاً في بيروت في أيلول، قال “الحسن”: “بالتأكيد، أوستن مات”، وأشار إلى أن القتل تم في 2013، مدعياً أنه أبلغ أحد مرؤوسيه بأمر التنفيذ.

إلا أن الشبكة تنقل عن مصادر مطلعة أن “الحسن” لم ينجح في اختبار كشف الكذب لدى “FBI”.
كما أن شهوداً آخرين وصفوا روايته بأنها تعتريها ثغرات، مشددين على طبيعته «الماكرة» ودوافعه غير الواضحة، خاصة مع إعلان واشنطن مكافأة بقيمة 10 ملايين دولار مقابل أي معلومة تقود إلى “تايس”.

تفيد شهادات ضباط سوريين سابقين، من بينهم اللواء “صفوان بهلول” (الاستخبارات الخارجية)، بأن “تايس” احتُجز في مجمع للحرس الجمهوري يُعرف بـ«الطاحونة» قرب قاسيون، تحت إشراف الضابط “غسان نصور” الذي كان يرفع تقاريره لـ”الحسن”.
وبحسب هذه الشهادات، استُجوب “تايس” ثلاث مرات، وكان “متعاوناً” و”غير مرتبك”.

يروي “بهلول” أن “تايس” فر لاحقاً من «الطاحونة» مستخدماً صابوناً ومنشفة لتجاوز نافذة مرتفعة وأسلاكاً حادة على جدار المجمع، قبل أن يُعاد توقيفه بعد أكثر من 24 ساعة في محيط حي المزة.
بعد ذلك، نُقل إلى مكتب “الحسن” المقابل للمجمع «وانقطعت أخباره»، وفق روايات متقاطعة.

يؤكد “نصور” أن جنوداً من قوات النظام ارتدوا ملابس “جهاديين” واقتادوا “تايس” معصوب العينين إلى تلة في منطقة رخلة قرب الحدود اللبنانية لتصوير مقطع الـ46 ثانية الشهير (أيلول 2012) بهدف الإيحاء بأنه بيد جماعات متطرفة لا بيد النظام.
مسؤولون أميركيون ومحللون مستقلون سبق أن اعتبروا المقطع “خدعة”، وتتبع محققون أثراً رقمياً يقود إلى أجهزة للنظام.

منذ سقوط نظام “الأسد” في كانون الأول 2024، تقول “CNN” إن الحكومة السورية الجديدة تعمل على تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة، وقد تعاونت مع محققي “FBI” على الأرض.
مصدر مطلع على التحقيق يؤكد أن «التحقيق الفيدرالي نشِط، والهدف تحقيق بعض العدالة، بالتوازي مع أي عملية استرداد محتملة”.

في المقابل، تصر عائلة “تايس”، ولا سيّما والدته “ديبرا”، على أنه “على قيد الحياة”، وقد زارت دمشق بعد التغيير السياسي والتقت الرئيس السوري الجديد “أحمد الشرع”، مجددة مطالبتها بإعادته حياً.

تفيد شهادات ضباط سوريين سابقين بأن “الأسد” رأى في “تايس” “بطاقة تفاوض” ثمينة مع واشنطن.
غير أن آخرين يرجحون أن يكون أمر الإعدام صدر بعد هروب “تايس” من “الطاحونة”. وبين 2012 و2024، تقول مصادر وسيطة، منها اللواء اللبناني المتقاعد “عباس إبراهيم”، إن إدارات أميركية متعاقبة قدمت عروضاً عدة للإفراج عنه، لكن المفاوضين السوريين رفضوا حتى تقديم “دليل حياة” حديث، ما عزز الشك بأن “ورقة تايس لم تعد موجودة”.

تتفق روايات شهود ومسؤولين سابقين على وجود خيوط متناقضة في ملف اتسم بالغموض على مدى أكثر من 13 عاماً.
رواية “بسام الحسن” تتهم “الأسد” مباشرة، لكنها تعاني اختبارات المصداقية، فيما تشير تقاطعات أخرى إلى احتمال مقتل “تايس” منذ زمن بعيد، من دون دليل قاطع حتى الآن. وإلى أن تتكشف الحقائق في أرشيفات رسمية وقبور سرية، تبقى العائلة متمسكة بأمل الحياة، والـ”FBI” بمساره الجنائي، والحكومة السورية الجديدة بمحاولة إغلاق واحد من أكثر ملفات العقد الماضي التباساً.