لبنان اليوم

تتفاقم أزمة الإيجارات في لبنان، وتداعياتها تطال شرائح واسعة من المجتمع.

في هذا السياق، نفّذت لجنة “الدفاع عن المستأجرين”، بمشاركة “لجان المستأجرين القدامى” من مختلف المناطق اللبنانية، اعتصامًا في ساحة رياض الصلح ببيروت. الهدف من هذا التحرك هو المطالبة بإدخال تعديلات على قانون الإيجارات غير السكنية رقم 11/25، وإعادة صياغة شاملة لقانون الإيجارات السكنية.

، صرح رئيس الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين، كاسترو عبدالله: “التحرّك اليوم يأتي من وجع الناس، في ظل تفاقم أزمة الإيجارات السكنية وغير السكنية، نحن نتحرك لأننا نرفض الفوضى التي بدأت تتفاقم مع تطبيق التعديلات الأخيرة على قانون الإيجارات”.

وأوضح عبدالله أن “لدينا اليوم معضلة جديدة، إذ إن القوانين الحالية بدل أن تعالج المشكلة تزيدها تعقيدًا، فوفقًا للتعديلات الجديدة على القانون، مدّدت فترة الإيجار من سنتين إلى ما بين خمس وثماني سنوات، مع تخفيض نسبة التعويض من 8% إلى 5% من قيمة المأجور، وقد أدى ذلك إلى ردود فعل من بعض المالكين والخبراء والسماسرة، الذين رفعوا قيم التخمين بشكل غير منطقي. فعلى سبيل المثال، في أحد الشوارع، كان التخمين الأول قبل نحو شهر يبلغ 1200 دولار، لكن منذ عشرة أيام فقط، جاء خبير وبلّغ المستأجر أن المتر أصبح بـ5000 دولار. هذه كارثة حقيقية، وتؤكد أن المضاربات العقارية باتت خارج السيطرة، فيما يسعى بعض أصحاب النفوذ إلى السيطرة على أملاك الناس، فيتضرر المستأجرون والمالكون معًا”.

وأكد عبدالله أن “هذا القانون، حتى مع تعديلاته الأخيرة، لا يحلّ الأزمة، بل يضرب مجموعة من القوانين الأخرى، منها قانون التجارة وقانون المالكين والقانون رقم 11/67 المتعلّق ببدلات الإخلاء، والنتيجة أن المواطنين يُحرَمون من حقوقهم في السكن اللائق”.

كما لفت عبدالله إلى أن “أزمة السكن تتفاقم أكثر مع استمرار وجود عشرات الآلاف من اللاجئين السوريين الذين يشغلون مساكن كانت متاحة للبنانيين، ومع الدمار الذي خلّفه العدوان الإسرائيلي، حيث دُمّر أكثر من 1500 وحدة سكنية وغير سكنية. في ظل هذه الظروف، يصبح من الصعب بل من المستحيل تأمين مساكن بديلة للناس، وخصوصًا لكبار السن الذين أصغرهم بين الـ65 و70 عامًا، وغالبيتهم متقاعدون ومرضى ولا معين لهم. حتى من كان يملك مدخرات في المصارف، خسرها نتيجة الأزمة المالية. اليوم المواطن عاجز عن تأمين الكهرباء والمياه، فكيف يمكنه تحمّل أعباء مضاعفة الإيجارات؟ ويُضاف إلى ذلك أن لدينا قانون “الطابق المر” الصادر منذ عام 1980، والمتعلق بجمع أموال من مخالفات البناء لتخصيصها لبناء نحو 20 ألف وحدة سكنية، لكن حتى اليوم لا نعرف أين ذهبت هذه الأموال ولا كيف صُرفت”.

وانتقد عبدالله المؤسستين المعنيتين بمعالجة أزمة السكن، قائلًا إن “المؤسسة العامة للإسكان تضررت بفعل الانهيار المالي، وبنك الإسكان يضع شروطًا خاصة لا يستطيع المواطن العادي تلبيتها، بالتالي نجد أنفسنا أمام مشهد يفاقم معاناة الفئات الأكثر ضعفًا، كبار السن والمتقاعدون والمرضى، هؤلاء يدفعون ثمن سياسات عقارية ومالية لا تراعي واقع الناس ولا قدرتهم على الصمود”.

وشدد عبدالله على أن “استمرار الوضع الحالي سيجعل الأزمة قائمة حتى عام 2029 من دون أي حلول فعلية، الصندوق المعني بالإيجارات لا يملك التمويل الكافي، والدولة تبدو عاجزة حتى الآن عن إيجاد مخرج عادل. من هنا، نؤكد أن الدولة مطالَبة بتحمّل مسؤولياتها وإيجاد حلول تُنصف الطرفين، أي المستأجرين والمالكين على حدّ سواء، فكما يعاني المستأجر من ارتفاع الأسعار وتراجع القدرة الشرائية، يعاني المالك أيضًا من تدنّي مداخيله، رغم ارتفاع قيمة العقارات، لأنه لا يستطيع بيعها أو الاستفادة منها بفعل القوانين السارية. لقد انهارت القيمة الشرائية لأجور الناس كما انهارت القيمة الشرائية لمداخيل المالكين، لذلك يجب ألّا يتحمّل أي طرف العبء وحده. المسؤولية هنا تقع على الدولة التي عليها أن تتدخّل فورًا لمعالجة الأزمة”.

واقترح عبدالله “العودة إلى القانون 160/92، وإجراء مراجعة شاملة لكل ما يتعلّق بملف الإيجارات، على أن تتوزّع المسؤوليات بين الدولة والبلديات والأوقاف وسائر الجهات المعنية. الحلّ يجب أن يكون شاملاً ومتعدّد الأبعاد، وليس مقاربة واحدة جامدة. ويمكن تحقيق ذلك عبر بناء مساكن مدعومة، وتشجيع الجمعيات التعاونية والأوقاف على إنشاء مجمّعات سكنية مخصصة للإيجار، وتعديل قانون الإيجارات التملّكي بما يضمن التوازن بين حقوق المالك والمستأجر، إضافة إلى فرض ضرائب عادلة على الأملاك البحرية والنهرية لتُخصّص عائداتها لصالح الإسكان والمساكن الشعبية. كما نطالب بمعالجة ملف المحال والمؤسسات التجارية، إذ إن العديد من أصحابها دفعوا خلوّات باهظة ويواجهون اليوم أوضاعًا صعبة تستدعي حلولًا واقعية”.

وختم عبد الله بالتأكيد على أن “الأزمة الحالية تتطلّب تعديلات قانونية وتشريعات جديدة تواكب الواقع الاجتماعي والاقتصادي، ونحن سنواصل رفع الصوت والتحرّك حتى الوصول إلى حلّ عادل وشامل”.