
لبنان اليوم
ترأس البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، يوم الأحد، القداس الإلهي في كنيسة السيدة بالصرح البطريركي في بكركي.
بعد تلاوة الإنجيل المقدس، ألقى الراعي عظة بعنوان: “كنت جائعا فأطعمتموني”، وقال فيها: “إن لبنان، وطن الرسالة، يُمتحن اليوم أمام الله والتاريخ. يُمتحن في مدى التزام مسؤوليته بخدمة الإنسان، وفي مدى وفاء شعبه لقيم الحقّ والكرامة والعدالة. فالمسيح الديّان يسأل كلّ حاكم ومسؤول: هل أطعمتَ الجائع من مواطنيك؟ هل سقيت العطشان الذي ينتظر لقمة العيش الكريم؟ هل آويت اللاجئ والمهجّر والمطرود من أرضه؟ هل ضمّدت جراح المرضى والمقهورين؟ هل سمعت أنين الفقراء والعمال والمزارعين؟ من هنا، يصبح هذا الإنجيل دعوة صارخة إلى توبة وطنية جماعية وفردية.”
ثم أضاف قائلاً: “في ضوء هذا الإنجيل، تتجلى المسؤولية الوطنية في لبنان كواجب أسمى من مجرد مهمة إدارية أو سياسية، إنها واجب روحي وأخلاقي. فلبنان ليس ملكًا لأحد، بل هو وديعة الله في أيدينا جميعًا. كل مسؤول هو وكيل، وكل مواطن هو خادم. والدينونة ستأتي على قدر أمانتنا لهذه الوديعة. لقد سلّمنا الرب هذا الوطن ليكون أرض كرامة وإنسان، لا ساحة جوع ولا مزرعة مصالح. إن المسيح يسألنا في إنجيل الدينونة العامة: “أين كنت حين جاع شعبك؟ حين انهارت مؤسساته؟ حين هاجر شبابه؟ حين تألم شعبك بصمت؟” حين سقط شهداء وضحايا وجرحى جراء اهمالك او صفقاتك او نفوذك؟ إننا نعيش في زمن تُفتِّش فيه النفوس عن الخلاص، كما تُفتّش الأرض عن قطرة مطر. وها هو الإنجيل يذكّرنا بأن خلاص الأوطان يبدأ من خدمة الإنسان. فمن يطعم الجائع، يسند وطنًا، ومن يسقي العطشان يروي جذور الكرامة، ومن يفتح بابًا للرجاء يغلق باب الجحيم.”
وأردف الراعي قائلاً: “هكذا تُبنى الأوطان، لا بالشعارات بل بالفعل، لا بالوعود بل بالعطاء، لا بالخوف بل بالإيمان. نريد وطنًا يضمّد جراحه بالصلاة، ويستعيد عافيته بالمحبة، ويواجه الظلم بالحق، وينهض من بين الركام بإرادة الحياة. لبنان مدعوّ إلى قيامة جديدة، لا بالسياسة فقط، بل بروح الخدمة التي تحدّث عنها الإنجيل اليوم: خدمة متواضعة، صادقة، نقيّة، تُعيد إلى مؤسساتنا معناها، وإلى سلطتنا بعدها الأخلاقي، وإلى شعبنا كرامته المفقودة. فلنسمع جميعًا صوت الدينونة الآن قبل أن يُقال لنا يومًا: “كنتُ جائعًا فلم تطعموني، عطشانًا فلم تسقوني، غريبًا فلم تؤووني”.”
وفي الختام، قال: “ليكن هذا الأحد صوت ضمير لكل مسؤول في لبنان، أن يتذكّر أنه سيُدان على مقدار محبته للإنسان، لا على حجم سلطته ولا على عدد أنصاره. وليكن دعوة لكل مواطن أن يعيش مسؤوليته بصدق وأمانة، فكل إصلاح يبدأ من القلب، وكل خلاص يبدأ من المحبة. عندها فقط، يتقدّس الوطن، وتصبح السياسة خدمة، وتتحوّل السلطة إلى رسالة، ويصير لبنان فعلاً أرضَ قداسةٍ وقيامة.”