
لبنان اليوم
في عالم يشهد تطورات متسارعة في مجالات مثل السيارات الكهربائية، والطائرات المسيرة، والمركبات الفضائية، تبرز المحركات الكهربائية كعنصر أساسي. يظل التحدي الأكبر هو تخفيف وزن هذه المحركات، حيث أن المكونات الأخف تعني استهلاكًا أقل للطاقة، وكفاءة أعلى للبطارية، وزيادة في مدى التشغيل.
في هذا السياق، حقق فريق بحثي في معهد كوريا للعلوم والتكنولوجيا إنجازًا هامًا، حيث تمكنوا من تطوير أول محرك كهربائي يعمل بكامل طاقته ومصنوع بالكامل من أنابيب الكربون النانوية. هذا المحرك لا يحتوي على أي مكونات معدنية، والتي تعتبر حاليًا المادة الرئيسية في ملفات المحركات الكهربائية نظرًا لتوصيلها الكهربائي العالي.
“من خلال تطوير مفهوم جديد وغير مسبوق لتقنية أنابيب الكربون النانوية عالية الجودة، تمكّنا من تحسين الأداء الكهربائي لملفات الأنابيب النانوية إلى أقصى حد، مما أتاح استخدامها في تشغيل المحركات الكهربائية دون الحاجة إلى الأسلاك المعدنية الثقيلة”: يقول الباحث سيونغ مين كيم من معهد كوريا للعلوم والتكنولوجيا.
ويضيف: “يمثل هذا التطور نقلة نوعية نحو إعادة تصور تصميم المحركات الكهربائية، خاصة في ظل الارتفاع المستمر بأسعار المعادن التقليدية مثل النحاس والألمنيوم، إضافةً إلى التحديات المرتبطة بها، كصعوبة تأمينها، ووزنها الكبير بسبب كثافتها العالية، فضلاً عن آثارها البيئية السلبية”.
يكمن جوهر هذا الابتكار في استخدام أنابيب الكربون النانوية، وهي مواد فائقة الدقة يبلغ قطرها نانومترًا واحدًا فقط، وتتكون من طبقة واحدة من ذرات الكربون المرتبة في بنية سداسية تشبه قرص العسل.
تتميز هذه المواد بخصائص فريدة، فهي أخف وزنًا من المعادن العادية، وتمتلك قدرة توصيل كهربائية استثنائية، وقوة ميكانيكية أقوى من الفولاذ بعدة مرات رغم خفّتها الشديدة، إضافة إلى خصائص حرارية عالية. هذه الميزات تجعلها مفيدة في العديد من التطبيقات مثل الإلكترونيات والطب والطاقة.
أجرى الفريق البحثي تجارب باستخدام لفائف مصنوعة من أنابيب الكربون النانوية بدلاً من ملفات المعادن التقليدية، ووجدوا أن سرعة دورانه يمكن التحكم بها بثبات وفقًا للجهد الكهربائي المدخل.
أظهرت التجارب أن المحرك الجديد يستجيب بمرونة ودقة للجهد الكهربائي دون الحاجة إلى أي عناصر معدنية، مما يمثل تقدما تقنيا في هذا المجال.
ووفقًا للدراسة المنشورة في مجلة “أدفانسد كومبوزتس آند هايبريد ماتيريالز”، فإن هذا يثبت أن التشغيل الأساسي للمحرك، الذي يحول الطاقة الكهربائية إلى قوة دوران ميكانيكية، يمكن تحقيقه دون الحاجة إلى استخدام أي عناصر معدنية.
هذا الابتكار يعكس توجهًا جديدًا نحو تحسين كفاءة المحركات الكهربائية، خصوصًا في ظل تزايد الحاجة إلى مواد خفيفة وموفرة للطاقة تدعم أنظمة التنقل الحديثة، وتسهم في خفض الانبعاثات الكربونية.
لطالما لفتت أنابيب الكربون النانوية الانتباه بخصائصها المتميزة، إلا أن استخدامها الصناعي ظل محدودًا بسبب بعض العوائق، مثل بقايا المعادن المستخدمة كمحفزات أثناء الإنتاج، والتي تضعف من خصائصها الكهربائية.
وللتغلب على هذه العقبة، ابتكر فريق البحث تقنية متخصصة تُعرف باسم المعالجة السطحية بمساعدة البلورات السائلة الليوتروبية (“إل إيه إس تي LAST”)، وهي حالة رابعة للمادة تتيح إزالة الشوائب المعدنية دون التأثير على التركيب النانوي للأسلاك.
تعتمد هذه التقنية على استخدام حالة البلورات السائلة، وهي مواد تتصرف كسوائل في ظروف معينة لكنها تُظهر ترتيبًا جزيئيًا منتظمًا يشبه البلورات، وتُستخدم هنا لتوجيه التفاعل بدقة على المستوى النانوي.
نتيجة لذلك، تم تقليل نسبة التلوث المعدني بشكل كبير، وهو إنجاز يفوق كفاءة طرق التنقية التقليدية. وقد أظهرت أسلاك الأنابيب النانوية المنقاة تحسنًا ملحوظًا في التوصيل الكهربائي، محققة توصيلاً يمكن رفعه إلى مستوى قابل للتطبيق في المحركات الكهربائية الفعلية دون الحاجة إلى ملفات نحاسية.
في اختبارات الأداء، كانت السرعة الدورانية لمحرك الأنابيب النانوية الكربونية أقل بقليل من سرعة محرك نحاسي، إلا أن فارق الوزن كان كبيرًا، حيث كان وزن أسلاك الأنابيب النانوية أخف بنحو 5 أضعاف من الأسلاك النحاسية.
ولإثبات قدرات المحرك الجديد، قام الباحثون ببناء نموذج مصغر لسيارة لعبة تعمل بمحرك الأنابيب النانوية، واختبروها على الأسفلت الحقيقي، ونجحت السيارة في قطع مسافة 10 أمتار في 25 ثانية، مما يدل على أن المحرك قادر على تشغيل السيارة بسرعة تزيد على نصف متر في الثانية، مع أداء كهربائي قريب من المحركات التقليدية المصنوعة من النحاس.
أظهر محرك الأنابيب النانوية الكربونية تحسنًا في التوصيل الكهربائي بنسبة 133%، ويقل وزنه بنسبة 80% عن التصاميم التقليدية، مما يمهد لاستخدامه بكفاءة داخل المحركات خفيفة الوزن.
على الرغم من تفوقها على منافستها المصنوعة من محرك نحاسي، إلا أن نسبة الكفاءة إلى الوزن تُبرز إمكانات محركات الأنابيب النانوية الكربونية في تطبيقات مستقبلة مع تقليل الوزن وانبعاثات الكربون.
“هذه النتيجة تُبرز الإمكانيات الواعدة لأنابيب الكربون النانوية في تطوير جيل جديد من المحركات الكهربائية التي تتميز بخفة الوزن وكفاءة الأداء واستهلاك الطاقة مقارنة بالتقنيات التقليدية، مما قد يؤدي إلى تغييرات جذرية مستقبلاً”: وفقًا للباحث.
ويضيف: “إلى جانب فتح آفاق جديدة لتقنيات مبتكرة في صناعة المحركات الكهربائية، يُمكن لهذا الابتكار أن يدعم توسّع استخدام المواد النانوية المتقدمة في مجالات حيوية مثل وسائل النقل وأنظمة الطاقة والتطبيقات الفضائية”.
ويختتم: “انطلاقًا من تطوير مواد أنابيب الكربون النانوية، نعتزم قيادة جهود توطين هذه المواد المتقدمة وتوسيع استخدامها، بهدف تعزيز تبني مكوناتها على نطاق واسع في أنظمة عالية الأداء المستقبلية، مثل المواد الموصلة للبطاريات، وأغشية أشباه الموصلات، وكابلات الروبوتات”.