
نُشر في 23/10/2025 آخر تحديث: 16:27 (توقيت مكة)
باستخدام تكنولوجيا متطورة في التحليل الطيفي، حقق فريق من الفيزيائيين في معهد أوكيناوا للعلوم والتكنولوجيا في اليابان إنجازاً رائداً. فقد تمكنوا من تتبع “الإكسيتونات المظلمة” الغامضة داخل مواد ذرية رقيقة، وذلك وفقاً لدراسة نشرت في دورية “نيتشر كوميونيكيشنز”.
من المتوقع أن يساهم اكتشاف مسار هذه الجسيمات الكمومية في إحداث نقلة نوعية في تكنولوجيا المعلومات، وتعزيز فهمنا للحوسبة الكمومية، وتخزين البيانات، والإلكترونيات الموفرة للطاقة. كما يمهد الطريق لابتكارات وتطورات جديدة في تقنيات المعلومات الكلاسيكية والكمية.
بالإضافة إلى ذلك، يفتح هذا الاكتشاف آفاقاً أوسع لدراسة أشباه الموصلات وتحليلها على المستوى الذري، مما قد يسهم في المستقبل في تحسين قدرات هذه المواد التي تعتبر عنصراً أساسياً في الصناعات التقنية الحديثة.
جسيمات عجيبة
الإكسيتونات هي أشباه جسيمات تتكون من أزواج إلكترونات وفجوات. توجد هذه الجسيمات في أشباه الموصلات الرقيقة للغاية، وتتميز بكونها محايدة كهربائياً، مما يجعلها تتصرف بشكل مختلف عن الجسيمات الأخرى مثل الإلكترونات سالبة الشحنة.
: الدكتور ديفيد بيكون، الباحث بمعهد أوكيناوا للعلوم والتكنولوجيا وأحد المؤلفين الرئيسيين للدراسة، يوضح قائلاً: “الإكسيتونات هي جسيمات إلكترون-فجوة، مرتبطة ببعضها البعض بقوى كولوم”.
ويضيف: “تعتبر الإكسيتونات فئة من المواد التي تُستخدم في العديد من الأجهزة التكنولوجية الحديثة، ومنها الأجهزة الإلكترونية البصرية، مثل الخلايا الكهروضوئية والخلايا الشمسية والأجهزة الباعثة للضوء مثل مصابيح الليد، وكذا الليزر والهواتف الذكية”.
ويشير الدكتور بيكون إلى أن “الإكسيتونات تتشكل بشكل عام من عملية الانتقال الإلكترونية التي تتم في أشباه الموصلات، وذلك عندما تمتص أشباه الموصلات فوتونات الضوء، مما يتسبب في انتقال الإلكترونات سالبة الشحنة من مستوى طاقة أقل إلى مستوى أعلى. هذا الانتقال يخلف وراءه مساحات فارغة مشحونة إيجابياً تسمى الثقوب أو الفجوات في مستوى الطاقة المنخفض، حيث تتجاذب الإلكترونات والثقوب ذات الشحنة المعاكسة وتبدأ في الدوران حول بعضها البعض، الأمر الذي ينتج عنه تشكل الإكسيتونات”.
الإكسيتونات المظلمة والمضيئة
يشرح الدكتور بيكون أن الإكسيتونات تصنف بحسب دوران إليكتروناتها إلى نوعين: الإكسيتونات المضيئة، والإكسيتونات المظلمة.
ويوضح أن “الإكسيتونات المضيئة تتكون من إلكترونات وثقوب لها نفس الدوران الذي يأخذ الشكل المغزلي، وتتشكل عند إثارة المادة ضوئياً. ولأنها تتفاعل مع الضوء فإنها تظهر في جميع أشكال التحليل الطيفي البصري”.
أما الإكسيتونات المظلمة، فهي لا تتفاعل مع الضوء مباشرة، ولذلك لا يمكن رؤيتها بسهولة في التجارب البصرية العادية.
ويضيف بيكون أن “نتائج دراستنا الأخيرة تُظهر أنه وبعد تكوّن الإكسيتونات المضيئة تتشكل سلسلة من الإكسيتونات المظلمة، والتي يعتمد ترتيب ومعدل تكوّنها على درجة حرارة العينة، بالإضافة إلى قوة مضخة الإثارة”.
: البروفيسور كيشاف داني، المؤلف الرئيسي للدراسة، يؤكد أهمية هذا الإنجاز قائلاً: “تتمتع الإكسيتونات المظلمة بإمكانيات هائلة كناقلات للمعلومات لأنها بطبيعتها أقل عرضة للتفاعل مع الضوء، وبالتالي أقل عرضة لتدهور خصائصها الكمومية”.
ويضيف: “هذا الاختفاء يجعل دراستها ومعالجتها صعبًا للغاية، لكننا سبق أن مهدنا الطريق لإنشاء الإكسيتونات المظلمة ومراقبتها ومعالجتها، في إنجاز سابق لنا بمعهد أوكيناوا للعلوم والتكنولوجيا عام 2020”.
الوصول إلى الإكسيتونات المظلمة
باستخدام نظام “مطيافية الانبعاث الضوئي المحددة زمنياً وزاوياً” المتطور الموجود بمعهد أوكيناوا للتكنولوجيا المتقدمة، تمكن الفريق من تتبع خصائص جميع الإكسيتونات بعد إنشاء الإكسيتونات المضيئة في أشباه موصلات. وبمرور الوقت، تم تحديد كمية الزخم وحالة الدوران ومستويات الإلكترونات والثقوب في وقت واحد.
: شينغ تشو، المؤلف المشارك الأول وطالب الدكتوراه بالوحدة، يوضح قائلاً: “في مجال الإلكترونيات بشكل عام، يتم التلاعب بشحنة الإلكترون لمعالجة المعلومات”.
ويضيف: “أما في مجال الإلكترونيات الدورانية، فنستغل دوران الإلكترونات لنقل المعلومات. وفي نوع آخر من الإلكترونيات في الإكسيتونات المظلمة، والتي تُعرف بإلكترونيات الوادي أو الوديان، يُمكّننا التركيب البلوري للمواد الفريدة من ترميز المعلومات في حالات زخم مميزة للإلكترونات”.
ويوضح تشو أن القدرة على استخدام إلكترونات الوادي للإكسيتونات المظلمة لنقل المعلومات تجعلها مرشحة واعدة لتقنيات الكم.
من المتوقع أن يحدث اكتشاف مسار هذه الجسيمات الكمومية ثورة في تكنولوجيا المعلومات، وفي فهمنا للحوسبة الكمومية، وتخزين البيانات، والإلكترونيات الموفرة للطاقة.
كما يمهد ذلك الطريق لابتكارات وتطويرات جديدة في تقنيات المعلومات الكلاسيكية والكمية، بالإضافة إلى فتح المجال لدراسة أشباه الموصلات بصورة أكبر، ورؤيتها على المستوى الذري بشكل أفضل، وهو ما سيسهم مستقبلاً في تحسين قدرة تلك الفئة من المواد التي تعد أحد المكونات الرئيسية بالصناعات التقنية الحديثة.
المصدر: لبنان اليوم