
في أعماق كوكبة “مفرغة الهواء”، وعلى مسافة تقدر بـ 82 سنة ضوئية فقط من كوكبنا، توصل علماء الفلك إلى اكتشاف نظام فريد من نوعه يتألف من أربعة نجوم، تتراقص بتناغم بفعل قوى الجاذبية. يضم هذا النظام زوجًا من النجوم الصغيرة المعروفة بالأقزام الحمراء، بالإضافة إلى زوج آخر من الأجرام الأكثر خفوتًا وبرودة، والتي تصنف ضمن فئة الأقزام البنية.
ووفقًا لـ “الدراسة” التي نشرها باحثون في دورية “مونثلي نوتيس” التابعة للجمعية الملكية الفلكية البريطانية، يحمل هذا النظام اسمًا معقدًا هو “يو بي إم جيه 1040-3551″، إلا أن العلماء يفضلون تسميته بـ “عائلة كونية من طبقتين”.
في قلب هذه العائلة الكونية، يقع زوج من النجوم القزمة الحمراء، تقدر كتلة كل منهما بنحو 17% من كتلة الشمس، ويصل سطوعهما إلى درجة حرارة تقارب 3200 كلفن، وهي أقل بكثير من درجة حرارة الشمس. يُذكر أن الكلفن هو مقياس لدرجة الحرارة، ويعادل الدرجة المئوية بالإضافة إلى 373 درجة.
أما في الأطراف الخارجية لهذا النظام، فيوجد ثنائي آخر أكثر غرابة، يتكون من قزمين بنيين، لا تتجاوز درجة حرارتهما 820 كلفن و 690 كلفن على التوالي، أي أقل بكثير من درجة انصهار الحديد!
الأقزام البنية هي أجرام فلكية محيرة، تحتل المنطقة الوسطى بين النجوم والكواكب. فهي أكبر حجمًا من الكواكب الغازية العملاقة مثل المشتري، ولكنها لا تمتلك الكتلة الكافية لإطلاق تفاعلات الاندماج النووي للهيدروجين في نواتها، كما تفعل النجوم. لذلك، يطلق عليها أحيانًا اسم “النجوم الفاشلة”.
تتكون الأقزام البنية من غازات مشابهة لتركيب النجوم، ولكنها تصدر ضوءًا خافتًا في نطاق الأشعة تحت الحمراء بدلاً من الضوء المرئي، وتبرد تدريجيًا بمرور الوقت.
يفصل بين “العائلتين” مسافة شاسعة تصل إلى 1650 وحدة فلكية (حيث تعادل الوحدة الفلكية الواحدة 150 مليون كيلومتر)، ويستغرق النظام بأكمله أكثر من 100 ألف عام لإكمال دورة واحدة حول بعضه البعض.
اكتُشف هذا النظام لأول مرة من خلال بيانات القمر الصناعي “غايا” التابع لوكالة الفضاء الأوروبية، والذي يتميز بقدرته على قياس مواقع وحركات النجوم بدقة عالية، ويهدف إلى رسم أدق خريطة ثلاثية الأبعاد لمجرة درب التبانة.
ووفقًا للدراسة، لاحظ الباحثون أن أحد النجوم القزمة الحمراء يبدو أكثر سطوعًا من المتوقع، وأن موقعه يهتز بشكل طفيف، مما يشير إلى وجود جرم مرافق غير مرئي.
بعد ذلك، استخدم العلماء تلسكوب “سور” في تشيلي لمتابعة عمليات الرصد الطيفية والأشعة تحت الحمراء، لتتضح الصورة تدريجيًا، وتكشف عن وجود نظام رباعي متناغم، يتألف من نجمين حمراوين مركزيين، ونجمين بنيين يدوران في الأطراف الخارجية للنظام المركزي.
ويصف الباحث الرئيسي في الدراسة، :زوهيانغ زانغ، هذا النظام بأنه “مختبر مثالي لفهم كيفية تشكل الأنظمة النجمية الصغيرة والمتعددة”.
فوجود زوج من الأقزام البنية يدور حول زوج من النجوم الحمراء يشير إلى أن الأقزام البنية قد تتشكل بنفس الطريقة التي تتشكل بها النجوم، أي من خلال انهيار سحب الغاز والغبار نفسها، وليس كنتيجة جانبية أو “فشل تكويني” كما كان يعتقد سابقًا.
والأمر الأكثر إثارة للاهتمام هو أن المسافة الكبيرة بين الثنائيين تظهر أن الجاذبية وحدها قادرة على الحفاظ على ترابط النظام عبر مئات آلاف السنين، على الرغم من ضعف كتل مكوناته. وهذا ما يدفع العلماء إلى إعادة النظر في حدود استقرار الأنظمة النجمية منخفضة الكتلة.
يمتد تأثير هذا الاكتشاف إلى أبعد من مجرد إضافة نجم جديد إلى الخرائط الفلكية. فبفضل هذا النظام، سيتمكن علماء الفلك من معايرة النماذج الفيزيائية للأقزام البنية، وفهم كيفية تغير درجة حرارتها ولمعانها مع مرور الوقت وتغير الكتلة.
كما سيساعدهم هذا الاكتشاف على اختبار النظريات التي تحاول تفسير أصل هذه الأجرام الغامضة: هل هي “كواكب ضخمة” تشكلت خارج نطاق نجمي، أم “نجوم ناقصة” لم تتمكن من الوصول إلى العتبة اللازمة للاشتعال؟
المصدر: لبنان اليوم