هذا ما أثار استياء “برّاك”!

تُلقي المقالة الضوء على تصعيد اللهجة الأمريكية تجاه لبنان وحزب الله، مع التركيز على المطالبة بمفاوضات مع إسرائيل، وتربط هذه التحركات بالتوترات الإقليمية المتصاعدة. وتوضح المقالة أن الضغط الأمريكي يضع لبنان بين خياري المفاوضات أو تجدد العمليات العسكرية الإسرائيلية.

لم يبتعد الموقف الصادر عما عهده السفير الأميركي توم براك من تهديدات متوالية، دأب عليها منذ أسابيع عقب توقفه عن زيارة لبنان وجولاته المكوكية بينه وبين إسرائيل. وقد تجاوزت رسائله الإنذارية الموجّهة إلى لبنان و”حزب الله” النطاق المحلي لتطال دولًا إقليمية، وفي طليعتها إيران، تزامنًا مع قرب حلول الاستحقاق الأممي المرتقب في نهاية تشرين الأول الجاري.

صحيح أن السفير براك لا يزال مصراً على تصعيد لهجته تجاه الحزب، إلا أنه يوجه سهام نقده هذه المرة، وبتأكيد متجدد، إلى الحكومة اللبنانية الرسمية. يأتي ذلك في سياق التوجه نحو إجراء مفاوضات مع إسرائيل، بهدف الانخراط في مسارات التفاهمات التي ترعاها واشنطن في المنطقة، بدءًا من غزة ووصولًا إلى سوريا، مرورًا بلبنان.

وإذا كانت المعطيات الدبلوماسية تشير إلى وجود ارتباط بين موعد استئناف العقوبات الدولية على إيران، وبين التصعيد الأميركي والإسرائيلي الضمني، فإن تهديد براك المتجدد بالحرب ينذر بقرع طبول الحرب في لبنان، كما في إيران. وذلك على الرغم من تأكيد مصادر مطلعة أن لبنان قد اتخذ القرارات اللازمة بشأن حصرية السلاح. وفي المقابل، صرّح براك بأن الاتفاق الذي أوقف الحرب في السابع والعشرين من تشرين الثاني الماضي لم يعد ساري المفعول، داعيًا لبنان إلى الدخول في مفاوضات مع إسرائيل لصياغة تفاهم جديد.

يستمر براك في متابعة الملف اللبناني، على الرغم من أن هذا الملف سينتقل خلال أيام قليلة إلى عهدة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية في بيروت، ميشال عيسى. وفي الوقت نفسه، تتولى الموفدة الأمريكية مورغان أورتيغاس التواصل مع لجنة “الميكانيسم”، مع حصر مهامها في لبنان في السياق الأمني والعسكري.

تكشف مصادر دبلوماسية مطّلعة أن المسعى الأميركي قد ركز، منذ اللحظة الأولى التي أعقبت وقف العمليات العدائية أو وقف إطلاق النار في تشرين الثاني الماضي، على إطلاق مسار تفاوضي مع إسرائيل، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، بوساطة أميركية.

غير أن المطروح في هذا المسار، كما توضح المصادر الدبلوماسية، هو إجراء محادثات أمنية فقط، تصب في مصلحة الشروط الإسرائيلية المبنية على نتائج الحرب الأخيرة. ولا تتضمن هذه المحادثات أي تقارب مع أي تجربة سابقة، وخاصة محادثات ترسيم الحدود البحرية التي تولاها آموس هوكستين، والتي استمرت سنوات حتى تمكنت من تحقيق اختراق دبلوماسي أدى إلى اتفاقية الترسيم التي أقرتها حكومة الرئيس نجيب ميقاتي السابقة.

وعليه، يبدو واضحًا أن اتفاقية غزة قد أطلقت ضغطًا دبلوماسيًا أميركيًا على لبنان، ووضعت المسؤولين فيه أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الموافقة على إجراء محادثات أمنية مباشرة مع إسرائيل من دون أي شروط مسبقة، وإما ترك الباب مفتوحًا أمام بنيامين نتنياهو لاستئناف ضرباته والتمادي في اعتداءاته ضد لبنان.

في المقابل، يشير مراقبون إلى أن واقعًا عسكريًا جديدًا قد تشكل على الساحة اللبنانية، موضحين أن الجيش قد أنهى تسلّم منطقة جنوب الليطاني من الناحية العسكرية. وفي الوقت نفسه، يعلن مسؤولون في “حزب الله” عن إعادة بناء قدراتهم وكوادرهم وقياداتهم الجديدة، بعيدًا عن مراقبة الطائرات الإسرائيلية المسيّرة التي لم تغب في الساعات الماضية عن أجواء العاصمة بيروت وضواحيها، حتى أنها حلقت على ارتفاع منخفض للمرة الأولى، وهو ما لاحظه الآلاف من المواطنين الذين انشغلوا بهذا المشهد اللافت.

تتمثل النقطة الإيجابية التي تحققت اليوم في الإجماع اللبناني على رفض التفاوض المباشر، على الرغم من كل الانقسامات السياسية المتعلقة بالاستحقاقات الداخلية. وتتحدث الأوساط الدبلوماسية عن مشاورات مكثفة بين الرؤساء الثلاثة حول مسألة التفاوض غير المباشر، أسفرت عن قرار رئاسي بالتفاوض غير المباشر على غرار مفاوضات ترسيم الحدود البحرية. وهذا ما أثار غضب براك ودفعه إلى التلويح ب”مواجهة كبرى”، ولكن ليس في لبنان كما اعتقد الكثيرون، بل في إيران.

المصدر: لبنان اليوم