
اكتشف باحثون جيناً في القمح يسمى “واز-دي1” يمكنه مضاعفة إنتاج المحصول إلى ثلاثة أضعاف عن طريق تنشيط آلية كامنة في النبات. هذا الاكتشاف يفتح الباب أمام تحسين المحاصيل دون الحاجة إلى التوسع في الأراضي الزراعية أو استهلاك مياه إضافية. يمثل هذا الاكتشاف أملاً جديداً في مواجهة تحديات الأمن الغذائي العالمي.
في سياق اكتشاف علمي بالغ الأهمية، والذي يُحتمل أن يُحدث تحولاً جذرياً في ممارسات الزراعة الحديثة، أعلن باحثون مرموقون من جامعة ميريلاند الأميركية عن تحديدهم لـ “جين” كامن في نبات القمح، يمتلك القدرة على مضاعفة إنتاج المحصول إلى ثلاثة أضعاف. وتتحقق هذه الزيادة الملحوظة من خلال إعادة تنشيط آلية داخلية كانت في حالة سبات داخل النبات ذاته.
هذا “الجين”، الذي أُطلق عليه اسم “واز-دي1” (“wus-D1”)، يلعب دوراً محورياً في تنظيم عملية تكوين الأعضاء الزهرية، وهي المسؤولة بدورها عن إنتاج الحبوب. ومن شأن هذا الاكتشاف أن يفتح آفاقاً واسعة أمام إحداث ثورة حقيقية في مجال تحسين المحاصيل الزراعية، وذلك دون الحاجة الماسة إلى التوسع في الأراضي الزراعية المتاحة أو استهلاك كميات إضافية من المياه الثمينة، وفقاً لما ورد في دراسة حديثة نُشرت في الدورية العلمية الرفيعة “بي إن إيه إس” (PNAS).
منذ عقود مضت، انصبّ اهتمام العلماء على فهم الآليات الكامنة وراء زيادة عدد الحبوب التي تنتجها زهرة القمح الواحدة. ففي الظروف الطبيعية، تنتج كل زهرة حبة واحدة فقط. إلا أن الفريق البحثي المذكور آنفاً، توصل إلى ملاحظة مفادها أن أحد الأنواع النادرة من القمح يتميز بنشاط غير اعتيادي للجين “واز-دي1”.
وعندما يتم تنشيط هذا “الجين” في مرحلة مبكرة من نمو الزهرة، يبدأ النبات في تكوين عدة مبايض بدلاً من مبيض واحد، الأمر الذي يؤدي في نهاية المطاف إلى إنتاج ثلاث حبات أو أكثر في السنابل نفسها. وبذلك، يمكن أن يرتفع المحصول الكلي للنبات إلى ثلاثة أضعاف مقارنة بالأصناف التقليدية المعروفة.
وفي هذا الصدد، صرح “فيجاي تيواري” (Vijay Tiwari)، الأستاذ المشارك في علوم النبات بجامعة ميريلاند الأميركية والمؤلف المشارك في الدراسة، قائلاً: “إن تحديد الأساس الجيني لهذه السمة يتيح للمربين مساراً لدمجها في أصناف قمح جديدة، مما قد يزيد عدد الحبوب في السنبلة الواحدة والمحصول الإجمالي”.
وأضاف “فيجاي تيواري” (Vijay Tiwari) في تصريحات حصلت الجزيرة نت على نسخة منها: “من خلال استخدام مجموعة أدوات تعديل “الجينات”، يمكننا الآن التركيز على تحسين هذه السمة بشكل أكبر لتعزيز محصول القمح. يوفّر هذا الاكتشاف مساراً مُثيراً للاهتمام لتطوير قمح هجين فعّال من حيث التكلفة”.
تجدر الإشارة إلى أن هذا الاكتشاف يأتي في توقيت بالغ الأهمية، حيث يشهد العالم تحديات متزايدة في مجال الأمن الغذائي، وذلك نتيجة لتداعيات التغير المناخي وتراجع خصوبة الأراضي الزراعية. فالقمح، الذي يُعد الغذاء الأساسي لأكثر من ثلث سكان العالم، يواجه خطر انخفاض الإنتاج في العديد من المناطق الجافة والحارة.
ووفقاً للدراسة، فإن الاستفادة من “الجين” المذكور قد تمثل طريقاً واعداً لتحسين المحاصيل الزراعية، وذلك عبر تفعيل قدراتها الكامنة، دون اللجوء إلى عمليات هندسة معقدة أو مكلفة. ومن خلال التهجين أو التحرير الوراثي الدقيق، يمكن نقل هذه السمة إلى أصناف القمح التجارية المستخدمة على نطاق عالمي.
وعلى الرغم من الحماس الكبير الذي يحيط بهذا الاكتشاف، يشير الخبراء إلى أن التطبيق العملي له لا يزال في مراحله الأولى. فزيادة عدد الحبوب في الزهرة الواحدة قد تؤثر سلباً على جودة البذور أو مقاومتها للأمراض. كما يجب التأكد من أن هذه الزيادة لا تستهلك موارد النبات بشكل مفرط.
إضافة إلى ذلك، ستحتاج أي محاصيل معدلة إلى اجتياز اختبارات تنظيمية وأخلاقية مشددة، قد تختلف من دولة لأخرى، قبل اعتمادها في الأسواق.
المصدر: لبنان اليوم