باراك يحذر: لبنان أمام لحظة قرار مصيري

رؤية مستقبلية للسلام والاستقرار في الشرق الأوسط، مع التركيز على دور سوريا ولبنان في تحقيق هذا الهدف.

في تطور لافت، يرى مراقبون أن يوم 13 تشرين الأول 2025 سيظل محفوراً في الذاكرة كلحظة تاريخية فارقة في مسيرة الدبلوماسية الحديثة في منطقة الشرق الأوسط. ففي مدينة شرم الشيخ المصرية، لم يجتمع قادة العالم للاحتفاء بإنهاء أزمة الرهائن ووقف إطلاق النار وبدء محادثات السلام فحسب، بل اجتمعوا أيضاً من أجل تقديم الدعم لرؤية طموحة تهدف إلى تجديد المنطقة وإعادة إعمارها وتحقيق الازدهار المشترك فيها.

وبفضل هذه الرؤية، بدأت حقبة طويلة من الخوف والركود تفسح المجال أمام التفاؤل والأمل، حيث تضافرت جهود دول عربية وإسلامية وغربية في مسعى موحد يقوم على استبدال الجمود بالتقدم، والانعزال بالاندماج.

ولأول مرة منذ قرن، ظهر إجماع حقيقي يعكس فهماً جديداً بأن منطقة الشرق الأوسط، التي مزقتها الخلافات وجراح الماضي الاستعماري، يمكن أن تنسج نسيجاً جديداً من التعاون. وما بدأ بهدنة في غزة سرعان ما تطور إلى ما هو أبعد من ذلك: أولى لبنات شراكة متجددة. وتحت هذه المظلة، لم يعد الاستقرار يُفرض بالقوة، بل يُصاغ من خلال إتاحة الفرص المشتركة، ولم يعد السلام مجرد هدنة مؤقتة، بل أصبح منصة انطلاق نحو الازدهار.

ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن مسيرة التقدم في غزة ستشهد بعض النكسات والتحديات. إلا أن الأمر اللافت هو أن الدول الإقليمية، وللمرة الأولى منذ عقود، أدانت بالإجماع ممارسات الجماعات المسلحة الموجودة على أراضيها.

سوريا: حجر الزاوية المفقود في صرح السلام

إلا أن هناك قطعتين أساسيتين لا تزالان مفقودتين لإكمال هذا البناء المتين للسلام. أولاً، سوريا: هذه الدولة التي أنهكتها سنوات الحرب الطويلة، تقف اليوم على مفترق طرق حاسم، حيث ستشكل اختباراً حقيقياً لقدرة هذا النظام الإقليمي الجديد على الصمود. فلا يمكن لأي صرح للسلام أن يكتمل في ظل بقاء واحدة من أقدم الحضارات في العالم في حالة خراب ودمار. يجب أن تتجاوز رياح المصالحة التي هبت من غزة الحدود لتصل إلى سوريا.

لقد أثبت مجلس الشيوخ الأميركي بعد نظره عندما صوت لصالح إلغاء قانون قيصر، الذي أدى دوره الأخلاقي في مرحلة معينة، لكنه اليوم يعيق جهود إعادة إعمار بلد بأكمله. ومن المتوقع أن يستكمل مجلس النواب هذه الخطوة قريباً.

ففي عام 2019، عندما أقر الكونغرس هذا القانون، كان العالم يواجه فظائع لا يمكن القبول بها. أما سوريا اليوم، وبعد تاريخ 8 كانون الأول 2024، ومع تنصيب حكومة جديدة، فقد أعادت فتح قنوات التواصل مع تركيا والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر وأوروبا، وبدأت مساراً هادئاً نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل.

وفي 13 أيار 2025، أعلن الرئيس عن نيته رفع العقوبات، قبل أن يصدر القرار التنفيذي في 30 حزيران، ليتحول مسار العقوبات من سياسة عقابية إلى سياسة شراكة بناءة.

ويرى مراقبون أن إلغاء العقوبات ليس مجرد عمل خيري، بل هو استراتيجية حكيمة تتيح إعادة بناء البنى التحتية، وفتح المجال أمام الاستثمارات، وتجفيف منابع التطرف من خلال خلق اقتصاد مزدهر.

وفي هذا السياق، وجه ستة وعشرون من كبار رجال الدين المسيحيين في سوريا نداءً إلى الكونغرس لإنهاء العقوبات، محذرين من أنها أصبحت سبباً مباشراً في تقلص الوجود المسيحي في البلاد.

لبنان: الجبهة الثانية

بينما تستعيد سوريا عافيتها من خلال تطبيع العلاقات، فإنها تشكل الركن الأول من أركان إطار الأمن الشمالي لإسرائيل. أما الركن الثاني، فهو نزع سلاح حزب الله في لبنان وفتح حوارات أمنية وحدودية مباشرة مع إسرائيل.

إن اتفاق وقف الأعمال العدائية لعام 2024، الذي تم التوصل إليه بوساطة أميركية وأممية، لم يتمكن من تحقيق تسوية فعلية بسبب عدم وجود آلية تنفيذ واضحة، وذلك بسبب اعتبار التعامل مع إسرائيل جريمة. واستمرت إيران في تمويل حزب الله، بينما ظل الجيش اللبناني يعاني من نقص التمويل والصلاحيات، وبقيت الحكومة في حالة شلل تام.

واليوم، تواصل إسرائيل احتلال خمسة مواقع استراتيجية على طول “الخط الأزرق”، وتنفذ ضربات يومية، بينما يبقى مبدأ “جيش واحد” في لبنان مجرد شعار لا يعكس الواقع الفعلي لنفوذ حزب الله.

وفي وقت سابق من هذا العام، قدمت الولايات المتحدة خطة “محاولة أخيرة” تتضمن نزع سلاح تدريجي وحوافز اقتصادية تحت إشراف دولي، لكن لبنان رفضها بسبب نفوذ الحزب داخل مجلس الوزراء.

ومع كل خطوة تخطوها دمشق نحو الاستقرار، يزداد عزلة حزب الله. ويرى مراقبون أن هذه الجماعة تعرقل سيادة لبنان، وتعيق الاستثمارات، وتحول دون قيام دولة قوية وفاعلة، بينما الشركاء الإقليميون على استعداد لضخ الاستثمارات فور انتقال السلطة الشرعية إلى الجيش اللبناني حصراً.

ويحذر المراقبون من أن أي تأخير في هذا الملف قد يدفع إسرائيل إلى التحرك بشكل منفرد، وهو ما قد تكون له عواقب وخيمة. ويرون أن نزع سلاح حزب الله ليس مجرد مطلب أمني لإسرائيل، بل هو فرصة ذهبية للبنان لإعادة بناء مؤسساته واقتصاده واستعادة ثقة شعبه بدولته.

كما يشير المراقبون إلى أن واشنطن مستعدة لتوفير غطاء دبلوماسي لانتقال الحزب إلى العمل السياسي فقط، وربط المساعدات الدولية بتقييم التقدم المحرز نحو بناء دولة لا يوجد فيها أي سلاح خارج نطاق الشرعية، مع تكثيف الدعم للجيش اللبناني، الذي حصل هذا الشهر على أكثر من 200 مليون دولار إضافية.

You can find related content on:


https://twitter.com/USEmbassyBeirut/status/1795136890177468612

المصدر: لبنان اليوم