كرويف.. صفقة القرن التي صنعت تاريخ برشلونة بدلًا من ريال مدريد.

قصة انتقال يوهان كرويف إلى برشلونة بدلاً من ريال مدريد، وتأثيره كلاعب ومدرب على الكلاسيكو وولادة فلسفة “التيكي تاكا”.

لطالما شهدت الساحة الكروية منافسة شرسة بين ريال مدريد وبرشلونة على ضم أبرز نجوم كرة القدم على مر العصور. من بين هذه الصراعات، تبرز قصة يوهان كرويف، أسطورة أياكس وبرشلونة، الذي كان على أعتاب الانضمام إلى ريال مدريد قبل أن تتغير وجهته إلى كتالونيا ليصبح رمزًا من رموز البلوجرانا.

تتعدد الروايات حول انتقال كرويف إلى برشلونة ورفض ريال مدريد، حيث يرى البعض أن اللاعب نفسه فضل اللعب في صفوف البلوجرانا، بينما يعزو آخرون الأمر إلى أسباب اقتصادية.

بداية الحكاية

تعود جذور القصة إلى عام 1970، عندما قرر الاتحاد الإسباني لكرة القدم تعليق التعاقد مع اللاعبين الأجانب بعد فشل إسبانيا في التأهل لكأس العالم 1962. وفي عام 1973، تم رفع الحظر وعادت الأمور إلى نصابها.

في ذلك الوقت، نصح فيك بكنجهام، مدرب برشلونة، إدارة النادي بالتعاقد مع كرويف، لكن الإدارة لم تستجب. استمر كرويف مع أياكس، وحقق دوري أبطال أوروبا أعوام 1971 و1972 و1973، ليصبح النجم الأبرز في أوروبا، مما دفع سانتياجو برنابيو، رئيس ريال مدريد، للتخطيط لضمه.

إلا أن الأمور لم تكن سهلة، ففي حين نجح برنابيو في خطف العديد من النجوم وحرمان برشلونة منهم، كانت قصة كرويف مختلفة، إذ كانت حقوق اللاعب مملوكة لأياكس الذي رفض التخلي عنه.

وفقًا لصحيفة “ليكيب” الفرنسية، عرض ريال مدريد 30 مليون بيزيتا إسبانية، لكن برشلونة قرر دفع 50 مليونًا مع راتب سنوي قدره 5 ملايين. بلغت تكلفة الصفقة حوالي 90 مليون بيزيتا، ليصبح كرويف أغلى لاعب في العالم.

أثارت هذه الصفقة انتقادات واسعة ضد سانتياجو برنابيو، متسائلين كيف يكون المال سببًا في فشل ريال مدريد في ضم كرويف.

تضاربت الأقاويل حول سبب عدم إتمام الصفقة، فمنهم من قال إن برنابيو رفض دفع هذا المبلغ الكبير، ومنهم من أشار إلى أن إدارة أياكس فضلت التعامل مع برشلونة وتسهيل الأمور لهم، بينما يرى البعض أن القرار كان نابعًا من كرويف نفسه.

هناك سبب آخر لم يحظ بالاهتمام الكافي، وهو مشروع بناء ملعب “سانتياجو برنابيو” الذي افتتح في 1975، والذي ربما كان عائقًا أمام إتمام الصفقة.

في فبراير 1974، تألق كرويف بقميص برشلونة في الكلاسيكو وقاد الفريق للفوز على ريال مدريد بخماسية نظيفة، ليؤكد لريال مدريد أن الاستثمار فيه كان أهم قرار اتخذه برشلونة في تاريخه.

لحظة تاريخية في الكلاسيكو

خلال إحدى مباريات الكلاسيكو الشهيرة، استلم كرويف الكرة خارج منطقة الجزاء، وراوغ بمهارة فنية رائعة، ثم أرسل كرة ساقطة تجاوزت الحارس تمامًا، وكانت في طريقها إلى المرمى الخالي.

وبينما كانت الجماهير تحتفل بالهدف، هبت رياح قوية أعادت الكرة في الهواء بشكل غير متوقع، لتسقط خارج المرمى وسط دهشة الجميع.

كان هذا الهدف على وشك أن يصبح من أجمل لحظات الكلاسيكو، لولا تلك الرياح التي غيرت مسار الكرة.

انضم كرويف إلى برشلونة وأصبح أسطورة من أساطير النادي، تاركًا بصمة لا تُمحى في تاريخه.

كرويف المدرب: ميلاد “التيكي تاكا”

بعد اعتزاله كرة القدم، عاد كرويف إلى برشلونة سنة 1988 كمدرب، ليبدأ ثورة كروية غيرت هوية النادي إلى الأبد. تحت قيادته، لم يعد الكلاسيكو مجرد مباراة تنافسية، بل أصبح “صراع فلسفات” بين كرة ممتعة هجومية تعتمد على الاستحواذ والتمرير، وبين أسلوب أكثر واقعية لدى ريال مدريد.

قاد كرويف “فريق الأحلام” الذي فاز بأربع بطولات دوري متتالية (1991–1994)، وحقق أول لقب في دوري أبطال أوروبا في تاريخ النادي عام 1992.

في الكلاسيكو، كان فريقه يهيمن بالأسلوب قبل النتيجة، مقدّمًا عروضًا فنية جعلت العالم يشاهد برشلونة بطريقة جديدة.

كرويف والإرث الخالد في الكلاسيكو

لم يكن تأثير كرويف مؤقتًا، بل مستمرًا حتى اليوم. فأسلوب بيب جوارديولا وتشافي هيرنانديز ولويس إنريكي جميعهم امتداد لفلسفة كرويف التي ترسخت في “كامب نو”.

لم يكن يوهان كرويف مجرد نجم أو مدرب عظيم في تاريخ الكلاسيكو؛ بل كان رمزًا للتحول، فقد حول برشلونة من نادٍ يبحث عن هوية إلى مدرسة في كرة القدم، وجعل من الكلاسيكو معركة بين الإبداع والانضباط، بين الفن والفوز.

وربما لم تسجل الرياح هدفه المفقود في أحد الكلاسيكيات، لكنها لم تمنع روحه من أن تهبّ في كل تمريرة وهدف يسجله برشلونة حتى اليوم.

المصدر: لبنان اليوم