
وبهذا المعنى، فإنّ الافتراق الأساسي الأول بدأ مع تعيين كريم سعيد حاكماً لمصرف لبنان، بخلاف رأي رئيس الحكومة الذي لم يكن موافقاً عليه، ثم أت تالضربة الأخرى لسلام، ولَوْ على طريقة «الحرب الناعمة »، مع إقرار التعيينات العسكرية والأمنية، خصوصاً في مركزَي قيادتَي الجيش وقوى الأمن الداخلي، وفق إرادة عون على حساب طموحات سلام الذي شعر أنّه «خرج من المولد بلا حمص ،» في ظل تمسّك رئيس الجمهورية بأن تكون خياراته هي النافذة في شأن تلك التعيينات. ثم أتى اختبار الروشة ليزيد التباعد بين الرجلَين، بعدما رفض رئيس الجمهورية زجّ الجيش وقوى الأمن الداخلي في أي مواجهة ضدّ المشاركين في احتفالية إضاءة صخرة الروشة بصورتَي السيدَين حسن نصـ.ـرالله وهاشم صفي الدين، على قاعدة أنّ السلم الأهلي خط أحمر، ما استفزّ سلام الذي تكوّن لديه انطباع بأنّه «ضُرِبَ من بيت أبيه »، وأنّ الأجهزة الرسمية خذلته حين امتنعت عن تطبيق فحوى التعميم الذي أصدره بمنع إضاءة الصخرة بالصورتَين، منطلقاً من نظرية أنّ درء الفتنة يحصل بتطبيق القانون. وبدا لافتاً في هذا السياق، تقيّد الجيش وقوى الأمن الداخلي ب »ضوابط » عون فيالتعاطي الميداني مع واقعة الروشة، وكأنّ رئيس الجمهورية تعمّد أن يوحي بأنّ«الأمر لي » في ما يتصل بالملف الأمني، وإن يكن سلام قد حاول لاحقاً أن يستعيد ماء الوجه، ويردّ الإعتبار، عبر الإجراءات القضائية والإدارية التي اتُخِذت أخيراً في حق عدد من المشاركين في واقعة الصخرة. ومع ذلك، استمرّ عون في السعي إلى لجم اندفاعات سلام الزائدة، الأمر الذي تُرجم في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء عبر استبدال اقتراح حل جمعية «رسالات »، وفق ما كان يُريد سلام، بتعليق عملها إلى حين انتهاء التحقيقات في ملف الروشة، ما سمح أيضاً ب »تعليق » أزمة جديدة أطلّت برأسها فجأة من إحدى نوافذ جدول أعمال الجلسة الحكومية.
وبينما قرّر سلام أن يواصل معركته فوق حافة الهاوية ضدّ «حـ.ـزب الله »، وأن يستمر في الضغط عليه بكل الوسائل لدفعه إلى التخلّي عن سلاحه، اختار عون في المقابل مَدّ جسور الحوار المباشر مع الحزب ومناقشته في هواجسه التي تتفاقم على وقع نهج الحكومة من جهة والاعتداءات الإسرائيلية من جهة أخرى، ساعياً إلى إيجاد قواسم مشتركة حيث أمكن، وتنظيم الخلاف حيث يتعذر حلّه. كذلك، يحرص عون على إبقاء وتيرة التعاون والتنسيق مع رئيس مجلس النواب نبيه بري مرتفعة، وهما تشاركا في إيجاد مخارج من مآزق عدة خلال المرحلة الأخيرة، بينما تبدو علاقة بري وسلام «رسمية » و »باردة .»وهكذا يتضح أنّ هناك اختلافاً في الطباع الشخصية والسياسية بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، وأنّ الأول ارتأى أن يسلك طريقاً مختلفاً عن ذلك الذي اعتمده الثاني في مشواره السياسي منذ وصوله إلى السراي الحكومي، وهو في اتجاه واحد لا يتضمّن خط رجعة. وقد بات عون منشغلاً أكثر من أي أمر آخر في إطفاء الحرائق المتنقلة التي يُشعلها سلوك سلام، قبل أن تتمدّد نيرانها وتلتهم الأخضر واليابس.
وبناءً عليه، فإنّ رئيس الجمهورية يتصرّف على أساس أنّه معني بحماية عهده الذي ينتهي عام 2031 ، في حين أنّ ولاية الحكومة تنتهي حُكماً بعد أشهر، عقب إجراء الانتخابات النيابية في أيار المقبل تبعاً لما يلحظه الدستور، وبالتالي فإنّ سلام ليس لديه الكثير ليخسره، على عكس عون الذي يستند إلى حسابات مختلفة.