
ما حصل الخميس في مشهدية إضاءة صخرة الروشة بصور السيدين حسن نصـ.ـرالله وهاشم صفي الدين في الذكرى الأولى لاستشهادهما يؤّشّر إلى أن البلاد مقبلة على أزمة سياسية كان من السهل تفاديها لو لم تكن القصة قصة “قلوب مليانة” أكثر منها قصة رمانة.
وإذا أراد المرء أن يحّلل بالعقل والمنطق وفي قراءة متأنية لما حصل في الساعات، التي سبقت هذه الاحتفالية، يمكن سرد مواقف كلا الطرفين، إذا أُجيز لنا استخدام تعبير “طرف” على رئيس السلطة التنفيذية في البلد.
المشكلة بدأت حين أعلن “حـ.ـزب الله” عبر دائرته الإعلامية عن عزمه إقامة فعالية جماهيرية في مقابل صخرة الروشة في الذكرى الأولى لاستشهاد أمينيه العامين السابقين. وتتضمن هذه الفعالية إضاءة صخرة الروشة بصور للشهيدين.
معارضو استخدام صخرة الروشة لأغراض حزبية وشخصية، وهي مرفق عام، يعتبرون أن “حـ.ـزب الله” تقصّد إضاءة الصخرة لأغراض حزبية لأهداف لم تعد مخفية على أحد، وإن كان المقرّبون منه يؤكدون أن من حق أي لبناني أن يقيم أي فعالية في المكان الذي يرتأيه ملائمًا مع رمزية الحدث، وهذا ما يكفله الدستور لجهة حرية التنقل والتجمّع في أي منطقة من لبنان من ضمن القوانين المعمول بها.
ويضيف هؤلاء المعارضون بأنه كان في امكان “حـ.ـزب الله” تلافي كل هذه الإشكالية بإقامة هذه الفعالية في أي منطقة لبنانية، ومن ضمنها المنطقة التي تجمّع فيها المتظاهرون، بعد حصوله على اذن التجمع من قبل السلطات المعنية، وكان عليه أيضًا عدم تحدّي “الأطراف الأخرى” من أهل بيروت، الذين اعتبروا أن إضاءة الصخرة لأغراض حزبية تتناقض مع رمزية هذه الصخرة البيروتية. فلا يجوز استخدامها إلا في المناسبات الوطنية فقط. فلو أراد كل حزب إضاءة الصخرة كما يحلو له لتحّولت المسألة إلى ما يشبه المهزلة غير المستحبة.
فلو كانت نية منظمي هذه الفعالية صافية، على حدّ ما يقوله هؤلاء المعارضون، لما أصرّوا على تحدّي قرار صادر عن رئيس الحكومة اللبنانية، فأضاءوا الصخرة وكأنهم أرادوا أن يقولوا لرئيس حكومة لبنان “بلّ قرارك واشراب مياتو”، خصوصًا أنهم يعرفون عن سابق تصور وتصميم أن كسر قرار رئيس الحكومة يعتبره البعض كسرًا لإرادة الطائفة، التي ينتمي إليها هذه الرئيس وفق الأعراف في توزيع المناصب الثلاثة الأولى الرئيسية في الدولة على كل من الموارنة والشيعة والسنّة.
هذا من جهة، ولكن لمنظمي هذه الفعالية وجهة نظر أخرى تقول بأنه كان على رئيس الحكومة نواف سلام، وهو رئيس حكومة كل لبنان، أن يتصرّف من موقع وطني، وليس من موقع مذهبي، وكان عليه بالتالي تفهم مشاعر مناصري “حـ.ـزب الله” في مثل هذه الذكرى الأليمة، التي تعني الكثير لهم في وجدانهم الجهادي، وكان عليه كونه المسؤول الأول عن السلطة التنفيذية تجّنب إصدار تعميم رأت فيه هذه البيئة استفزازًا لمشاعرها وتحدّيًا لإرادتها.
ويضيف هؤلاء المنظّمون أنه كان من السهل جدّا تلافي كل هذه الإشكالية لو أن رئيس الحكومة تصرّف كرجل دولة، لكنه بدلًا من ذلك استتبع تعميمه، الذي لم ينفذ كتعبير عن موقف سياسي، بقرار آخر طلب فيه من الوزراء المعنيين إعطاء تعليماتهم للأجهزة التابعة لوزاراتهم بالقاء القبض على جميع الذين اشتركوا في إضاءة صخرة الروشة متحدّين القرارات الحكومية. ولم يكتفِ الرئيس سلام بذلك، يضيف هؤلاء، بل أراد أن يصبّ الزيت على النار عندما اعتكف عن القيام بنشاطه كرئيس حكومة.
في هذه السردية يبدو أن الجميع على حق في مكان ما، ولكن في الوقت ذاته هم على خطأ في التقدير وفي التعاطي مع الأمور من منطلقات وطنية صرفة، وليس وفق منطق حزبي ضيق أو وفق منطق المسؤول، الذي لا يرى أبعد من منخاره.
فلو لم تكن “القلوب مليانة” لكان “حـ.ـزب الله” اتخذ وجهة غير صخرة الروشة لإحياء هذه الذكرى. ولو لم يكن الشعور متبادلًا لما كان الرئيس سلام أصدر تعميمه ولما كان مضطرّا على الاعتكاف، الذي لا يقدّم ولا يؤخّر في تغيير المسار السياسي العام، والذي يبقى محوره القرارات الحكومية المتخذة في جلستي 5 و7 أب، وفي جلسة 5 أيلول. ويُعتقد أن موضوع “حصرية السلاح” سيكون أولى ضحايا صخرة الروشة.
مواضيع ذات صلة