يبدو واضحًا أن حـ.ـزب الله استطاع للمرة الثانية على التوالي أن يحقق تقدّمًا بالنقاط على رئيس الحكومة نواف سلام، وعمليًا على مجمل السلطة المناوئة له التي وصلت إلى الحكم بعد الحرب الإســرائيلية الأخيرة.








فبعد أن نجح “الحزب” في دفع الحكومة إلى التراجع عن قراراتها المتعلقة بنزع السلاح خلال جلسة الخامس من أيلول، عاد يوم أمس ليفرض أمرًا واقعًا جديدًا من خلال تنظيم احتفاله أمام صخرة الروشة، رغم رئيس الحكومة رفضه العلني لإقامة هذا النشاط.هذا التطور لم يكن مجرد تفصيل بروتوكولي أو فعالية ميدانية عابرة، بل يعكس تغيّرًا في ميزان القوى على الساحة اللبنانية. فالحكومة التي جاءت “بأجندة” واضحة في أعقاب الحرب الأخيرة، وكانت في الاشهر الاولى قادرة على فرض قواعد جديدة للعبة الداخلية، بدأت تصطدم تدريجيًا بجدران التوازنات الطائفية والمذهبية والسياسية التي تحكم لبنان منذ تأسيسه. هذه التوازنات لا تزال حتى اليوم تمثل عائقًا أمام أي مشروع يتجاهل الوقائع الداخلية العميقة، وهي تفرض على السلطة أن تدرك حدود قدرتها على المواجهة مع قوة سياسية وشعبية بحجم “حـ.ـزب الله”.في المقابل، يظهر “الحزب” وكأنه في مرحلة استعادة للثقة بالنفس بعد الخسائر والصدمات التي تعرّض لها خلال الحرب الإسـرائيلية الأخيرة. فبدل أن تؤدي نتائج تلك الحرب إلى إضعافه أو دفعه نحو تقديم تنازلات إضافية في الداخل، عاد ليظهر بعض القوة، ويعمل على ترتيب أولوياته الداخلية واتجه إلى التشدد أكثر في مقاربة الملفات اللبنانية. ومن الواضح أن الحزب بات يتعامل مع الشأن الداخلي على قاعدة أن زمن التنازلات قد انتهى، وأن عليه أن يعيد تثبيت حضوره وهيبته في الداخل، سواء عبر فرض إيقاعه السياسي أو عبر إظهار قدرته على الحشد والتنظيم في الميدان.ويبدو أن هذا الصعود التدريجي في الأداء السياسي والتنظيمي يرتبط أيضًا براحة متزايدة يشعر بها “الحزب” في بنيته الداخلية. فالوضع التنظيمي أكثر تماسكًا، والوضع الأمني تحت السيطرة، والقدرات العسكرية في حالة جيدة، حتى أن الوضع المالي يشهد نوعًا من الاستقرار النسبي قياسًا بالمراحل السابقة. هذه العناصر مجتمعة تمنحه هامشًا أوسع للتحرك وتزيد من ثقته في مواجهة خصومه السياسيين.وبذلك، فإن ما حدث في الروشة ليس مجرد تحدٍّ لرئيس الحكومة، بل رسالة سياسية بليغة مفادها أن “حـ.ـزب الله” لا يزال الرقم الصعب في المعادلة اللبنانية، وأن أي سلطة مهما كانت خلفياتها أو دعمها الخارجي، ستجد نفسها عاجزة عن تجاوز حقائق التوازنات..
 


المصدر:
خاص لبنان24