
في تصعيد جديد للخطاب الأميركي تجاه موسكو، شنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب هجوماً مباشراً على روسيا، واصفاً إياها بأنها مجرد “نمر من ورق”، في إشارة إلى ضعف قدرتها على حسم الحرب الأوكرانية وتراجع اقتصادها تحت وطأة العقوبات الغربية.
لكن الكرملين لم يتأخر في الرد، مستعيراً صورة مضادة، إذ قدّم نفسه على أنه “الدب” الذي يواجه الضغوط ويصمد في وجه العواصف. وأعلن عن نمو اقتصادي بلغ 1.1% في النصف الأول من العام، مع توقعات ببلوغه 1.3% بحلول نهاية السنة، متفاخراً بتجاوز أداء اقتصادات أوروبية لا تزال غارقة في أزمات الطاقة والتباطؤ الصناعي.ترامب بين التصعيد والدبلوماسية المواربةترامب لم يكتفِ بالتشكيك في قوة موسكو، بل دعا كييف علناً إلى استعادة الأراضي التي تحت سيطرة الجيش الروسي. هذه الرسالة بدت مزدوجة: من جهة إضعاف صورة روسيا أمام الداخل والخارج، ومن جهة أخرى منح أوكرانيا جرعة دعم قد تُفسر كإشارة إلى المضي في التصعيد الميداني.المفارقة أن هذا التحول الحاد في نبرة ترامب جاء بعد لقائه الأخير بالرئيس الروسي في ألاسكا. الأمر الذي فتح باب التأويلات: هل يعكس هذا الموقف خلافاً حقيقياً مع موسكو، أم أنه ورقة ضغط هدفها دفعها إلى المفاوضات بشروط أميركية؟موسكو ترد بلغة الأرقامالكرملين اختار أن يواجه الكلمات الأميركية بالقوة الناعمة للأرقام. التأكيد على النمو الاقتصادي بدا رسالة موجهة على مستويين:
– للداخل الروسي، لشد العزائم وإثبات أن البلاد قادرة على الصمود رغم العقوبات.
– للخارج، ليُظهر أن العقوبات لم تُنهك موسكو بقدر ما أضعفت بعض الاقتصادات الأوروبية نفسها.بهذا الخطاب، حاولت روسيا أن ترسم صورة مغايرة: اقتصاد مرن، ودولة لم تفقد زمام المبادرة رغم الحرب.قراءة في موازين القوىفي حديثها لبرنامج بزنس مع لبنى عبر “سكاي نيوز عربية”، رأت الباحثة في العلاقات الدولية لانا بدفان أن تصريحات ترامب تكشف مسارين محتملين:
1. مسار إيجابي قد يقود إلى مفاوضات وتسوية سياسية توقف النزاع.
2. مسار سلبي قد يفتح الباب لمواجهة أوسع بين موسكو وحلف الناتو، مع ما يحمله ذلك من تداعيات على الاستقرار الدولي.وبحسب بدفان، فإن موسكو لا تعتبر النصر العسكري هدفاً نهائياً، بل مجرد وسيلة للوصول إلى مكاسب سياسية ودبلوماسية، في حين تسعى واشنطن إلى تسريع الأحداث وفرض تسوية تخدم مصالحها.بين الاقتصاد والحرب.. العالم على حافة التوازنالمواجهة الكلامية بين “النمر الورقي” الأميركي والدب الصامد” الروسي تكشف أن الحرب تجاوزت حدود أوكرانيا. إنها اليوم معركة على مكانة القوى الكبرى في النظام الدولي، حيث تتحول التصريحات إلى أدوات ضغط، والأرقام الاقتصادية إلى ذخيرة سياسية.النتيجة الراهنة هي حالة من الغموض الاستراتيجي: هل هذه التصريحات تمهيد لاتفاق يوقف نزيف الحرب، أم بداية لمرحلة أكثر خطورة تعيد رسم الخريطة الأمنية والاقتصادية للعالم؟السؤال الذي يبقى معلقاً: هل يقود هذا السجال إلى سلام هش، أم إلى مواجهة كبرى لا تُبقي ولا تذر؟