
يبدو أن الجنوب يدخل مجدداً مرحلة جديدة من التوتر، مع عودة الاعتداءات الإسرائيلية وتكثيف الرسائل العسكرية والسياسية في آن واحد. وهذا التطور يعكس بوضوح أنّ إسرائيل ليست بصدد تغيير مقاربتها تجاه لبنان، بل على العكس، فهي تعمل على ترسيخ معادلة تقوم على الضغط المستمر، سواء عبر الميدان أو عبر القنوات الدبلوماسية المدعومة أميركياً.
اللافت أنّ تل أبيب ترفض الالتزام بالمسار الذي ترعاه الأمم المتحدة من خلال اجتماعات “الميكانيزم”، مفضلةً إبقاء الأمور مفتوحة على احتمالات التصعيد. ومن هنا تأتي أهمية زيارة المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس غدا إلى بيروت، التي يفترض أن تتابع هذا المسار، علما انها ستجتمع الأحد باللجنة الخماسية في الناقورة لتغادر بعدها فورا إلى نيويورك غير أن مضمون حركتها الفعلي يصب، بحسب مصادر سياسية، في اتجاه تعزيز الموقف الإسرائيلي أكثر مما يهدف إلى خلق توازن في الضغوط، والإطلاع على خطة الجيش وما نفذ منها.وعليه، فإن التوجه الأميركي لا يقتصر على دعم تل أبيب، بل يتمظهر بشكل مباشر عبر الضغط على الجيش . فالولايات المتحدة، وكما تقول أوساط سياسية مطلعة، تقدم مساعدات مالية وعسكرية للجيش، لكنها مشروطة ضمن رؤية أوسع لحصر السلاح بيد الدولة. ويأتي هذا الدعم ضمن ضغط أميركي متواصل لدفع الجيش إلى توسيع دوره جنوب الليطاني وشماله، في مواجهة حـ.ـزب الله، مع إدراك واشنطن أن قدراته وحدها لا تكفي لنزع السلاح بالقوة. وبهذا، يجد الجيش نفسه مطالب بالتصرف وفق الالتزامات الدولية والخطط الحكومية، لكنه في الوقت نفسه تحت ضغوط خارجية لتبني دور أوسع، ما يزيد من هشاشة الوضع الداخلي ويعقد المعادلة الأمنية والسياسية في الجنوب والبقاع والضاحية. وقد ظهرت هذه الرؤية جلية في تصريحات السفيرة الأميركية ليزا جونسون، التي شددت على أن ما أنجزه الجيش حتى الآن “مهم لكنه غير كافٍ”، ما يعكس ضغطا أميركيا ً على المؤسسة العسكرية للعب دور أكبر من دون أي مراوحة أو مماطلة.وتشير مصادر متابعة إلى أنّ إسرائيل تتعمد إرسال إشارات متكررة بعدم تغيير استراتيجيتها تجاه لبنان، وأن ما يطرح من خطط حكومية أو أممية لا يدخل ضمن حساباتها. فهذه الرسائل تحمل في طياتها تحذيراً من أنّ الضغوط العسكرية والسياسية ستستمر، في ظل غياب أي نية أميركية للضغط على تل أبيب نحو التهدئة، وكان المبعوث الأميركي الخاص توم باراك أعلن قبل أسابيع أن إسرائيل تغيرت ولم تعد تعترف بالحدود التقليدية، أو الحدود التي رسمتها اتفاقية سايكس بيكو.في المقابل، يظهر الموقف اللبناني الرسمي، كما عبر عنه رئيس الحكومة نواف سلام، متمسكاً بخيار التهدئة والتعاون مع الآليات الدولية، لكنه في الوقت نفسه يطرح إشكالية جوهرية: كيف يمكن الاستمرار في هذه الاجتماعات فيما إسرائيل لا تبدي أي التزام بها، وتواصل الاعتداءات بشكل شبه يومي؟ هذا السؤال يفتح الباب أمام مأزق سياسي ودبلوماسي، حيث يجد لبنان نفسه مطالباً بخطوات إضافية من دون أن يلمس في المقابل أي التزام إسرائيلي بالحد الأدنى من التفاهمات.الى ذلك يتواصل النقاش بين القوى الأساسية حول كيفية التعامل مع هذا الواقع. فالتنسيق بين حـ.ـزب الله والجيش يعكس محاولة جادة لتنسيق مشترك لخطة الانتشار جنوب الليطاني، مع إدراك أنّ نجاح هذه الخطوة مشروط أولاً بوقف الاعتداءات الإسرائيلية، وإلا تحولت العملية إلى عامل توتر داخلي. واللقاء المرتقب لرئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد مع رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون بعد عودة الاخير من نيويورك يدخل في هذا الإطار، لتأمين غطاء سياسي واسع يواكب أي خطة ميدانية، بعدما كان رعد التقى العميد مستشار رئيس الجمهورية اندريه رحال وتطرق البحث الى الاعتداءات الاسرائيلية وملفي السلاح و إعادة الاعمار وقانون الانتخاب.بناءً على ذلك، فإن المعادلة القائمة اليوم تجعل من الجنوب ساحة مفتوحة لاحتمالات متعددة، بين استمرار الضغط المتدرج أو انزلاق الوضع إلى مواجهات أوسع من الجنوب، لا سيما وان موجة الانذارات التي اطلقها الاسرائيلي امس لأبناء قرى وبلدات جنوبية تنبئ بالأخطر، في غياب اي رادع دولي لنتنياهو.