
نستعيد في هذا التوقيت، الذي يستكمل فيه الجيش تنفيذ المرحلة الأولى من خطّة حصر السلاح بيده، مقطعًا من مسرحية “يعيش يعيش” للاخوين رحباني، حيث يدور حوار موسيقي بين السيدة فيروز بدور هيفا وبين وليم حسواني بدور الشاويش عن “حاجز تنبيش وتفتيش”، وعن “وفد جايي وفد فرودة مصادرة وتكميش”، “فتشوا نبشوا وقفوا حاجز متل النار بلكي حدا مخبي سلاح بالجاكيتة بالزنار”. ويسأل المهربون الشاويش: “واللي سلاحه ظاهر يا جناب الشاويش”؟ فيجيبهم: “اللي سلاحه ظاهر ما بدو تفتيش”.
فهذه الاستعارة المقتبسة من أهم مسرحيات الأخوين رحباني، اللذين صورا الواقع اللبناني كما هو من خلال مسرحياتهما الخالدة، تختصر المشهد الذي تعيشه المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني من دون ضجة إعلامية. ولولا البيان الذي أصدرته قوات الطوارئ الدولية العاملة في الجنوب عن المهام التي نفذها الجيش بالتعاون مع قوات “اليونيفيل”، والتي بلغ عدد المخازن، التي تسلمها الجيش حتى الآن 120 مخزنًا، لما عرف أحد بما يجري في هذه المنطقة بالتحديد. فالجيش يعمل بصمت ومن دون ضجة إعلامية، ويتقيد بالتعليمات المعطاة له وفق صلاحياته الطبيعية.
بهذه الروحية يقوم الجيش بدوره الأمني من دون “شوشرة”، ومن دون إظهار أي مظهر من مظاهر التحدّي لأحد. فالمطلوب قبل أي شيء آخر في موضوع بهذه الحساسية والدّقة الالتزام بالمعايير، التي حدّدتها القيادة في خطّتها، والتي وافقت عليها الحكومة مرحبة ومستعدة للذهاب إلى الأمام في هذه الخطّة وعدم السماح بالعودة إلى الوراء أيًّا تكن العقبات والصعوبات. وهذا ما أكدّه قائد الجيش العماد رودولف هيكل، الذي شدّد على أن “الصعوبات لن تثنينا عن أداء واجبنا”، لكنه اعترف بـ “أننا ننفذ مهمات صعبة وأساسية وبالغة الدقة للوصول بالوطن إلى برّ الأمان”.
وفي المعلومات غير الرسمية أن الجيش، الذي يعمل بصمت ومن دون ضجيج اعلامي، يقترب من الانتهاء من المرحلة الأولى من خطّة الثلاثة أشهر، وهي المهلة المعطاة للوحدات المنتشرة في المنطقة الجغرافية الواقعة جنوب نهر الليطاني. ويعتبر الخبراء العسكريون أنه بمجرد الانتهاء من “المهمة الصعبة والأساسية” في هذه المنطقة الحساسة، والتي كان جزء كبير منها مسرحًا للاعتداءات الإسرائيلية، تسمح بالقول بأن المراحل المتبقّية لن يتطلب تنفيذها الجهد ذاته، الذي استلزمته عمليات المرحلة الأولى، خصوصًا أن مراحل تنفيذ هذا الشّق الأصعب من الخطّة تترافق مع إجراءات عملانية في مختلف المناطق اللبنانية، والتي تقضي بمنع نقل أي سلاح غير مرخّص، فرديًا كان أم غير فردي.
وفي انتظار أول تقرير شهري، الذي سيرفعه الجيش إلى مجلس الوزراء، فإن الأنظار تبقى شاخصة نحو ما يمكن أن تحقّقه اللقاءات والاتصالات بين كل من القصر الجمهوري والسرايا الحكومي وبين “عين التينة” من نتائج لا تزال رهن المواقف، التي سيعلنها الأمين العام لـ “حـ.ـزب الله” الشيخ نعيم قاسم في الذكرى الأولى لتفجير “البيجيرات”، والتي أدّت عملية الغدر هذه إلى سقوط مئات الشهـ.ـداء وإصابة أعداد كبيرة في أعينهم وأصابعهم، ومن بينهم السفير الإيراني في بيروت.
ومن المتوقع أن يتناول الشيخ قاسم في كلمته الملفات الساخنة المطروحة على الساحة السياسية، ولاسيما ما له علاقة بـ “حصرية السلاح”، على ألا يكون سقف مواقفه دون المستوى، الذي اعتاد عليه، والذي يمكن تلخيصه برفض تسليم السلاح، مع فتح هلالين يتعلقان بهدفية هذا السلاح وارتباطاته العقائدية. فـ “حـ.ـزب الله” ليس حزبًا عاديًا مثله مثل أي حزب لبناني آخر، وأن سلاحه هو جزء لا يتجزأ من مشروعية وجوده كحزب عقائدي أكثر منه حزبًا سياسيًا.