
شهدت الولايات المتحدة الأميركية في الأيام الأخيرة عاصفة سياسية واجتماعية غير مسبوقة عقب اغتيال المؤثر المحافظ تشارلي كيرك، أحد أبرز حلفاء الرئيس السابق دونالد ترامب، والذي تحوّل في نظر أنصاره إلى “شهـ.ـيد” ورمز يتطلّب الدفاع عنه حتى بعد رحيله. هذه الأجواء المشحونة انعكست على مئات الأميركيين الذين وجدوا أنفسهم مطرودين من أعمالهم أو ملاحقين بسبب منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي انتقدت كيرك أو سخرت من مقتله.
القضية برزت مع لورا سوش-لايتسي، الموظفة في جامعة حكومية بولاية تينيسي، التي كتبت عبر فيسبوك بعد ساعات من حادثة الاغتيال: “الكراهية تولّد الكراهية. لا تعاطف على الإطلاق”. كلمات قليلة كانت كفيلة بإشعال جدل واسع، خصوصًا بعدما سارعت السيناتور الجمهورية مارشا بلاكبرن إلى التنديد بها علنًا، معتبرة أن “هذه المرأة يجب أن تخجل.. ويجب فصلها من منصبها”. وبالفعل، لم تمضِ ساعات حتى أعلنت الجامعة إقالتها.هذا المثال لم يكن وحيدًا. في بلد يعيش انقسامًا سياسيًا حادًا كثيرًا ما ارتبط بأعمال العنف، بات مؤيدو كيرك يترصّدون أي تعليق معارض أو ساخر من مقتله. فقد لعبت مواقفه المثيرة للجدل حول قضايا السلاح، الإجهاض والهجرة، دورًا في منحه قاعدة جماهيرية متعاطفة، لكنها في الوقت نفسه خلقت جبهة من المنتقدين الذين لم يخفوا ارتياحهم لاغتياله.ورغم أن اغتيال كيرك لقي إدانات واسعة من مختلف الأطياف السياسية، فإن الرئيس السابق دونالد ترامب اختار توجيه أصابع الاتهام مباشرة إلى “اليسار الراديكالي”، قبل أن تعلن السلطات توقيف المشتبه به تايلر روبنسون في ولاية يوتاه. التحقيقات كشفت أن روبنسون نقش عبارات مناهضة للفاشية على ذخيرته، ما دفع معسكر اليمين إلى اعتباره قاتلاً “يساريًا متطرفًا”.منصات التواصل الاجتماعي تحوّلت بدورها إلى ساحة مطاردة، حيث تولّى ناشطون ومؤثرون يمينيون مهمة تعقّب حسابات من عبّروا عن شماتة بمقتل كيرك. أحد هؤلاء، المؤثر المحافظ جوي مانارينو، أوضح: “إذا كانت صورتهم موجودة على ملفهم الشخصي، حتى بدون اسم، يتم تنزيل الصورة والبحث العكسي عن صاحبها”. هذه الممارسات أدت إلى كشف هويات معلمين، رجال إطفاء، عسكريين وغيرهم ممن سرعان ما وجدوا أنفسهم بلا وظائف.في أوكلاهوما، كتب مدرس على وسائل التواصل عبارة: “مات تشارلي كيرك بالطريقة التي عاشها: إخراج أسوأ ما في الناس”. تعليق قصير كان كافيًا لإطلاق تحقيق رسمي من قبل إدارة التعليم في الولاية، التي وصفت ما قاله بأنه “مثير للاشمئزاز”.المناخ المتوتر انعكس أيضًا على مؤسسات الدولة. إذ أصدر ترامب أوامر بتنكيس الأعلام تكريمًا لحليفه، واصفًا إياه بأنه “عملاق جيله”، فيما نُقل نعشه إلى مسقط رأسه في فينيكس على متن الطائرة الرسمية لنائب الرئيس جاي دي فانس. وفي موازاة ذلك، طلب وزير الدفاع بيت هيغسيث من البنتاغون التحقيق مع أي عسكري احتفل بمقتله، بينما دعا نائب وزير الخارجية كريستوفر لانداو إلى اتخاذ إجراءات ضد الأجانب الذين عبّروا عن مواقف مشابهة على وسائل التواصل، مؤكدًا أن “من يمجّد العنف والكراهية ليس مرحبًا به في بلادنا”.في هذا السياق، برزت الناشطة اليمينية لورا لومر، المعروفة بعلاقاتها الوثيقة مع ترامب وبمواقفها المتشددة، لتقود حملة شرسة ضد منتقدي كيرك. فقد نشرت هوية موظفة في الوكالة الفدرالية لإدارة الطوارئ بعد أن أعربت عن استيائها من قرار تنكيس الأعلام تكريمًا “لعنصري وكاره للنساء”، بحسب وصفها. على الفور، وجدت الموظفة نفسها موضع هجوم واسع، قبل أن تعلن الوكالة وضعها قيد الإجازة القسرية بسبب تصريحات اعتبرتها “مقززة وغير عادلة”.هكذا، لم يعد اغتيال كيرك مجرد جريمة جنائية تخضع للتحقيق، بل تحوّل إلى معركة سياسية وثقافية تعكس حجم الانقسام الأميركي. ففي وقت ينظر إليه أنصاره باعتباره “شهـ.ـيدًا” للحرية والقيم المحافظة، يرى خصومه أن الممارسات الانتقامية بحق من ينتقدونه تهدد أبسط مبادئ حرية التعبير، وتفتح الباب أمام موجة جديدة من الاستقطاب الذي يضرب المجتمع الأميركي في الصميم.