في ظل التطورات المتسارعة في المنطقة وما تحمله من ضغوطات سياسية وأمنية، يجد “حـ.ـزب الله” نفسه أمام مسار محدد لا بد من اتباعه لضمان تمرير المرحلة الراهنة. هذا المسار لا يقوم على التراجع أو التنازل عن الثوابت، بل على مبدأ أساسي يرافق أدبياته منذ سنوات، وهو القدرة على الاحتواء والانحناء للعاصفة من دون المساس بجوهر استراتيجيته أو المسار العسكري الذي يعتبره ركيزة لوجوده ودوره الإقليمي.
فالحزب يتعامل مع هذه المرحلة باعتبارها ظرفًا مؤقتًا يتطلب قدرًا أكبر من المرونة التكتيكية في مقابل تمسك صارم بالثوابت الكبرى.القاعدة الأولى في سلوك الحزب تنطلق من عدم الانجرار إلى خيارات قد تضعفه على المدى الطويل. فالتنازلات، سواء السياسية أو العسكرية أو الأيديولوجية، غير واردة ضمن حساباته. لكنه في المقابل يوازن بين التمسك بالمبادئ وبين تكتيك “الانحناء للعاصفة” الذي يسمح له بالعبور بأقل الخسائر الممكنة، خصوصًا في ظل الضغوط الخارجية الكثيفة والمتغيرات الإقليمية التي تفرض عليه إعادة قراءة المشهد باستمرار.إلى جانب ذلك، يضع الحزب أولوية قصوى لتثبيت موقعه داخل الطائفة الشيعية. فهو يرى أن أي خلل في البنية الداخلية للطائفة قد ينعكس مباشرة على قدرته على المواجهة السياسية والأمنية. لذلك يسعى إلى حسم فكرة الوحدة السياسية داخل الطائفة، معتبرًا أن توحيد الصفوف وضبط التباينات الداخلية هو الضمانة الأساسية لاستمرار قوته في مواجهة خصومه المحليين والإقليميين.كما أن حماية الطائفة من تداعيات الحرب أو أي تصعيد عسكري واسع تبقى هدفًا مركزيًا في استراتيجيته. فالحزب يدرك أن أي “نكبة” جديدة ستصيب البيئة التي تحتضنه ستُضعف قدرته على الصمود، وربما تهدد عمق حضوره الشعبي. لذلك يعتمد سياسة دقيقة تقوم على تجنّب التصعيد غير المحسوب، والعمل على تقليل الأكلاف التي قد تدفعها الطائفة، من دون أن يتخلى عن مواقفه أو يظهر بمظهر الطرف المنكسر.يتعامل حـ.ـزب الله مع التطورات الجارية عبر ثلاث ركائز أساسية: الاحتواء التكتيكي للعاصفة، تعزيز الوحدة الشيعية الداخلية، وتجنّب تعريض البيئة الحاضنة لأي كارثة كبرى. بهذه المقاربة يسعى إلى تمرير المرحلة الراهنة بمرونة محسوبة، من دون أن يفرّط بما يعتبره جوهر وجوده. فالمرحلة بنظره قد تكون صعبة وضاغطة، لكنها ليست كفيلة بتغيير مسار استراتيجي حدّده منذ سنوات طويلة، بل مجرد اختبار إضافي لقدرة الحزب على التكيّف مع موازين القوى المتبدلة.