
بعد الجلسة الحكومية الأخيرة، بدا المشهد السياسي في بيروت وكأن الجميع خرج راضيًا عن التسوية التي حصلت. إلا أن موضوع حصر السلاح ظلّ عالقًا، وأشبه بملف مفتوح على احتمالات متعددة، لا يمكن حسمها بجلسة واحدة أو حتى ببيان وزاري. هذا الملف، بحساسيته وتشابكاته الداخلية والخارجية، يضع لبنان أمام مسارين متوازيين، أحدهما بيد الدولة اللبنانية والآخر بيد حـ.ـزب الله، ولكل منهما حساباته وخطواته.
المسار الأول يتمثل في محاولة الدولة جسّ نبض حـ.ـزب الله. فمن الواضح أن الحكومة، ولو بشكل محدود، تفكّر في اختبار قدراتها على تطبيق قرارها بشأن حصر السلاح. البداية قد تكون بخطوات صغيرة لا تحمل طابع المواجهة المباشرة، بل إجراءات متدرجة، مثل إرسال الجيش إلى بعض النقاط الأمنية التي تُعتبر هامشية نسبيًا أو الى مخازن معينة، وربما توقيف بعض الكوادر الأقل وزنًا. الهدف من هذه الخطوات ليس الدخول في صدام شامل، بل قياس ردة فعل الحزب ومعرفة حدود تحمّله، بحيث يمكن التدرج لاحقًا إن سمحت الظروف.
هذا المسار يحمل في طيّاته رهانات على إمكانية ضبط التوتر وعدم تفجيره في الشارع، خصوصًا أن أي مواجهة مفتوحة قد تعيد البلاد إلى دوامة لا تُحمد عقباها.في المقابل، هناك المسار الثاني، وهو المسار الذي يبدو أن حـ.ـزب الله سيعتمده لمواجهة أي تحرك من هذا النوع. الحزب مقتنع بأن الوقت يلعب لصالحه، وأن التحولات الدولية والإقليمية الجارية، من الحرب في أوكرانيا إلى اهتزاز المشهد الأوروبي، مرورًا بالمتغيرات في الشرق الأوسط، ستؤدي تدريجيًا إلى تراجع الضغط الأميركي على المنطقة. من هذا المنطلق، فإن استراتيجية الحزب هي تمرير الوقت وتجنب الاستنزاف الداخلي، ريثما تتضح صورة التوازنات الكبرى. وعندما يخف الزخم الأميركي، يعتقد الحزب أنه سيكون قادرًا على إعادة ترتيب أوراقه من موقع قوة، سواء على الساحة اللبنانية أو الإقليمية.التلاقي بين هذين المسارين يفتح الباب على مرحلة دقيقة. الدولة تحاول اختبار حدودها من دون الانزلاق إلى مواجهة مباشرة، فيما “الحزب” يراهن على عامل الزمن لتجاوز هذه المرحلة من دون تقديم تنازلات كبرى. هذا التوازن الهش قد يستمر فترة، لكنه يبقى مهددًا بالانهيار عند أول احتكاك غير محسوب. فمجرد خطوة زائدة من الدولة أو ردّ فعل مفرط من “الحزب” قد يغيّر قواعد اللعبة ويفتح الباب أمام أزمة جديدة.ما بعد جلسة الحكومة ليس كما قبلها. الجميع خرج راضيًا، لكن هذا الرضا مؤقت، مشروط، وقابل للاهتزاز عند أي منعطف. المساران المطروحان لا يلغيان بعضهما البعض، بل يسيران معًا في سياق واحد: دولة تحاول استعادة دورها تدريجيًا، وحزب يرى أن الانتظار هو أفضل سلاح في هذه اللحظة. وبين الاثنين، يبقى لبنان عالقًا في مساحة رمادية، لا هي مواجهة ولا هي تسوية كاملة، بل إدارة أزمة مفتوحة على احتمالات المستقبل.
المصدر:
خاص لبنان24