
ذكرت صحيفة “The Spectator” البريطانية أنه “على الرغم من انضباطها الاستثنائي ونجاحاتها المتكررة في ساحات المعارك على مدى العامين الماضيين، فقد حُكِم على إسرائيل في العديد من الأوساط بأنها فشلت في مجال حيوي واحد: حرب المعلومات. في حين نجحت في تحييد قادة الأعداء، وتدمير الترسانات، والتقدم عبر الأراضي المعادية، فإن تل أبيب كانت دائما محاصرة في مسرح الدعاية، مما دفع الجنرالات إلى الإعلان بأن أي قدر من العمل العسكري لا يمكن أن يقتل “فكرة”.”
وبحسب الصحيفة، “لقد وظّفت حمـ.ـاس وحلفاؤها الصور والسرديات بمهارة لتعبئة الرأي العام العالمي، وخاصةً في الغرب. ومع ذلك، شهدنا في الأسابيع الأخيرة تحولاً ملحوظاً. لم تعد إسرائيل تكتفي بالهيمنة العسكرية مع التنازل عن الجبهة الإعلامية، إنها تضرب بشكل مباشر في قلب آلة الدعاية لخصمها، وتتحدى رواية المجاعة، وتنشر لقطات مروعة من السابع من تشرين الأول، بل وتضع رئيس الوزراء تحت المراقبة. ويُمثل اغتيال حذيفة الكحلوت، المعروف بأبي عبيدة، يوم السبت، ذروة هذا التغيير”.وتابعت الصحيفة، “على مدى أكثر من عقدين، لم يكن أبو عبيدة مجرد متحدث باسم الجناح العسكري لحماس، كتائب عز الدين القسام، بل كان صوتها الأبرز. وتم تنفيذ العملية في حي الرمال في مدينة غزة باستخدام ذخائر دقيقة، استناداً إلى معلومات استخباراتية من جهاز الأمن العام (الشاباك) واستخبارات الجيش الإسرائيلي. وفي الواقع، لقد كان أبو عبيدة، من الناحية الاستراتيجية، حيوياً للقضية مثل أي قائد ميداني. إن عملية الاغتيال تشير إلى حقيقة أوسع نطاقاً حول استراتيجية الدعاية التي تنتهجها حمـ.ـاس: فهي ليست مجرد خطابة بل خداع. مرة تلو الأخرى، تقدم الشخصيات المتورطة في نشر الأكاذيب والمسرحيات نفسها على أنها صحفية. إنها ترتدي زي الصحافة من أجل تسليح الاحترام الذي تمنحه المجتمعات الحرة للباحثين عن الحقيقة. مع ذلك، هؤلاء ليسوا صحفيين حين يكون دورهم بيع الأكاذيب لوسائل الإعلام الدولية. والأمر عينه ينطبق على مقاتلي حمـ.ـاس الذين يرتدون عادة ملابس المدنيين، حتى عندما يطلقون الصواريخ أو ينفذون الكمائن. ولكن عندما تتطلب الدعاية ذلك، فحينها يرتدي المقاتلون الزي العسكري، ولكنهم يبحثون عن السترة التي تحمل علامة “صحافة” على ثقة من أن وسائل الإعلام الغربية سوف تنقل كلماتهم على أنها حقيقة”. وأضافت الصحيفة، “فهم أهمية القضاء على أبو عبيدة يتطلب فهم هويته. فقد ظهر علنًا لأول مرة عام 2002، في ذروة الانتفاضة الثانية. وبحلول عام 2004 أصبح المتحدث الرسمي باسم الجناح العسكري لحركة حمـ.ـاس، وفي عام 2006 عزز إعلانه عن اختطاف الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط دوره. وعلى مر السنين أصبح أحد الشخصيات الأكثر شهرة في حركة حمـ.ـاس في العالم العربي، وحظي بإعجاب كبير خاصة بين الشباب الفلسطيني. وخلال عملية حارس الأسوار في عام 2021، أصبح ظهوره بمثابة صرخات حاشدة. وبعد 7 تشرين الأول 2023، برز كأبرز وجه خارجي لحماس، مع أن وجهه الحقيقي كان دائمًا مغطى بكوفية أو قناع، مما ألهم حشودًا من المتظاهرين ليحذوا حذوه، وبلغت تصريحاته عشرات الملايين”. وبحسب الصحيفة، “تم اختيار كل تفاصيل شخصية أبو عبيدة وتقديمها بعناية، كما هو الحال مع الكثير من القضايا التي يتم تمثيلها في القضية الفلسطينية، وكان اسمه المختار يحمل ثقلاً دينياً في حرب إسلامية استمرت قروناً…وعبر تبني هذا الاسم، ربطت حمـ.ـاس دعايتها مباشرة بالعقيدة والتاريخ الإسلاميين، مما يشير إلى أن نضالها ليس قوميا في الواقع، بل جهادي، ويرتكز على الشرعية الدينية. إن هذا الاندماج بين الخطاب المتشدد والرمزية الإسلامية على وجه التحديد هو الذي جعل صوته يتردد بقوة بين الجماهير المسلمة في كل أنحاء العالم، على الرغم من نبرته العالية الأنثوية، بما في ذلك في المدن الغربية حيث سعت حمـ.ـاس منذ فترة طويلة إلى حشد المتعاطفين”.وتابعت الصحيفة، “زاد توقيت وفاته ثقلاً: فبعد مرور ما يقرب من 700 يوم على بدء الحرب، وبعد عامين تقريباً من مذبحة 7 تشرين الأول، شكّل تحييده ضربةً رمزية. فقد فقدت حمـ.ـاس الآن المتحدث الرسمي باسمها بعد أكثر من عشرين عاماً. إن التأثير النفسي كبير، فالحركة محرومة من الصوت الموحد الذي حمل قضيتها في كل أنحاء العالم العربي الإسلامي. غالبًا ما تعتمد روايات الحرب الإسلامية على الذكريات السنوية، وقد حُرم أبو عبيدة من فرصة إحياء ذكرى الحدث المرتقب. لقد أثبتت إسرائيل من قبل قدرتها على الوصول إلى ساحات بعيدة لإزالة أهداف عالية القيمة، من اغتيال زعيم حمـ.ـاس إسماعيل هنية في طهران، إلى الضربة التي استهدفت زعيم الحوثيين أحمد الرهوي ووزراءه في اليمن الأسبوع الماضي، وكلاهما أشار إلى هذه القدرة. ومع ذلك، فإن القضاء على أبو عبيدة يتجاوز القيادة السياسية، إذ يُعطّل قدرة العـ.ـدو على شنّ حربٍ سردية، وهو المجال الذي لطالما قيل إن إسرائيل تفشل فيه”. وبحسب الصحيفة، “مع دخول الصراع مرحلته التالية، لا تقلّ معركة الأكاذيب أهميةً عن معارك الأنفاق والشوارع. لطالما أدركت حمـ.ـاس أن الوعي سلاح، وتأمل إسرائيل الآن أن تثبت أن لديها الإرادة لخوض تلك المعركة أيضاً. يُظهر القضاء على أبو عبيدة قدرة إسرائيل على التكيف باستمرار. لقد أظهرت مرة أخرى مرونةً في مواجهة التحديات التي تعثرت فيها سابقًا. وهذا التحول لن يُحدد مصير حرب حمـ.ـاس الدعائية فحسب، بل سيُحدد أيضًا توازن الحقيقة والزيف في الصراع الأوسع. يقول النقاد إنه لا يُمكن القضاء على أيديولوجية. فهل يُمكن لإسرائيل أن تُثبت العكس؟”